للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولِه: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾. قال: هو الشركُ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (٢٠)﴾.

وهذا احتجاجٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه لنبيِّه على مشركي قومه الذين قالوا: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٧]. وجوابٌ لهم عنه. يقولُ لهم جلَّ ثناؤُه: وما أنْكَر يا محمدُ هؤلاء القائلون: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾. من أكلِك الطعامَ، ومشيِك في الأسواقِ، وأنت للهِ رسولٌ، فقد علِموا أنَّا ما أَرْسَلْنا قَبْلَك من المرسَلين إلا مَن (٢) إنهم ليَأكُلون الطعامَ ويَمْشون في الأسواقِ، كالذى تَأْكُلُ أنت وتَمْشِى، فليس لهم عليك بما قالوا من ذلك حجةٌ؟

فإن قال قائلٌ: فإن "مَن" ليست في التلاوةِ، فكيف قلتَ: معنى الكلامِ: إلا من إنهم لَيَأْكُلُون الطعامَ؟

قيل: قلنا في ذلك: معناه أن الهاءَ والميمَ في قولِه: ﴿إِنَّهُمْ﴾. كنايةُ أسماءٍ لم تُذْكَرْ، ولابدَّ لها مِن أن تعودَ على مَن كُنِى عنه بها، وإنما تُرِك ذكرُ "مَن" وإظهارُه في الكلامِ، اكتفاءً بدَلالةِ قولِه: ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. عليه، كما اكْتُفِى في قولِه: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ١٦٤]. من إظهارِ "مَن"، ولا شكَّ أن معنى ذلك: وما منا إلا مَن له مقامٌ معلومٌ. كما قيل: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]. ومعناه: وإن منكم إلا مَن هو واردُها. فقولُه: ﴿إِنَّهُمْ


(١) تفسير عبد الرزاق ٢/ ٦٧.
(٢) سقط من: م.