للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقلَّب يدَه وقال: كيف يُحْيِي هذه اللَّهُ بعدَ موتِها؟ تكذيبًا (١) منه وشكًّا، فأماته اللَّهُ وأمات حمارَه، فهلَكا ومرَّ عليهما مائةُ سنةٍ، ثم إن اللَّهَ ﷿ أحيا عُزَيرًا فقال له: ﴿ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ قِيل له: ﴿بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ﴾ مِن التينِ والعنبِ ﴿وَشَرَابِكَ﴾ مِن العصيرِ ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ الآية (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾.

يعْنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿ثُمَّ بَعَثَهُ﴾: ثم أثارَه حيًّا مِن بعدِ مماتِه. وقد دلَّلْنا على معْنى البعثِ فيما مضَى قبلُ (٣).

وأما معْنى قولِه: ﴿كَمْ لَبِثْتَ﴾. فإن "كم" استفهامٌ في كلامِ العربِ عن مَبْلَغِ العددِ، وهو في هذا الموضعِ نَصْبٌ به ﴿لَبِثْتُ﴾. وتأويلُه: قال اللَّهُ له: كم قدرُ الزمانِ الذي لبِثْتَ ميتًا قبلَ أن أبعثَك من مماتِك حيًّا؟ قال المبعوثُ بعدَ مماتِه: لبِثتُ ميتًا إلى أن بَعَثْتَنِي حيًّا يومًا واحدًا أو بعضَ يومٍ.

وذكِر أن المبعوثَ، وهو إرْمِيَا أو عُزَيرٌ، أو مَن كان ممّن أخبَرَ اللَّهُ عنه هذا الخبرَ،


(١) في م: "ليس تكذيبا". وكذا أثبتها محقق تفسير ابن أبي حاتم عن نسخة الشيخ شاكر، وتقدم أن المصنف حكى عن بعضهم أنه قال ذلك شكًّا في قدرة الله واستنكارا، فأراه الله كيفية إحيائه ذلك بما ضربه له في نفسه، وهذا قول مردود؛ لأنه لا يتصور أن يصدر شك عن نبي من الأنبياء في مثل هذا.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٠١، ٥٠٢ (٢٦٤٩، ٢٦٥٥، ٢٦٦٠) من طريق عمرو به.
(٣) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٩١.