للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ وعزَّ: ﴿أُعِدَّت لِلْكَفِرِينَ (٢٤)﴾.

قد دلَّلنا فيما مضَى مِن كتابِنا هذا على أنَّ الكافرَ في كلامِ العربِ هو الساترُ شيئًا بغطاءٍ، وأَن اللهَ جلَّ ثناؤُه إنما سَمَّى الكافرَ كافرًا لجحودِه آلاءَه عندَه، وتغطيتِه نَعْماءَه قِبَله (١).

فمعنى قولِه إذن: ﴿أُعِدَّت لِلْكَفِرِينَ﴾: أُعِدَّت النارُ للجاحدين أن اللهَ ربُّهم، المتوحِّدُ بخلقِهم وخلْقِ الذين مِن قبلِهم، الذي جعَل لهم الأرضَ فِراشًا، والسماءَ بناءً، وأَنْزَل مِن السماءِ ماءً، فأَخْرج به مِن الثمراتِ رزقًا لهم، المشركين معه في عبادتِه الأندادَ والآلهةَ، وهو المتفرِّدُ لهم بالإنشاءِ، والمتوحِّدُ بالأقواتِ والأرزاقِ.

كما حَدَّثَنَا ابنُ حُميدٍ، قال: حَدَّثَنَا سَلَمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدٍ، عن ابنِ عباسِ: ﴿أُعِدَّت لِلْكَفِرِينَ﴾ أي: لمن كان على مثلِ ما أنتم عليه مِن الكفرِ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ وعزَّ: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾.

قال أبو جعفرٍ: أما قولُه: ﴿وَبَشِّرِ﴾. فإنه يعني: أَخْبِرْهم. والبشارةُ أصلُها الخبرُ بما (٣) يُسَرُّ به المخبَرُ، إذا كان سابقًا به كلَّ مخبَرٍ سواه.


(١) ينظر ما تقدم في ص ٢٦٢.
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٤، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٦٥ (٢٤٨) من طريق سلمة به.
(٣) بعده في الأصل: "بشر".