للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهدى، فترَك جميعَهم في ظلماتٍ لا يُبْصِرون.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾.

قال أبو جعفرٍ: وتأويلُ ذلك أن المنافقين بشرائِهم الضلالةَ بالهُدَى، خسِروا ولم يربَحوا؛ لأنَّ الرابحَ من التُّجارِ المستبدِلُ من سلعتِه المملوكةِ عليه بدلًا هو أنفسُ من سلعتِه (١)، أو أفضلُ من ثمنِها الذي ابتاعَها به، فأما المستبدِلُ من سلعتِه بدلًا (٢) دونَها، ودونَ الثمنِ الذي ابتاعَها به، فهو الخاسرُ في تجارتِه لا شكَّ. فكذلك الكافرُ والمنافقُ؛ لأنهما اختارا الحَيْرَةَ والعمى على الرشادِ والهدى، والخوفَ والرعبَ على الخَفْضِ (٣) والأمنِ، فاسْتَبدلا في العاجلِ بالرشادِ الحَيْرةَ، وبالهدى الضلالةَ، وبالخفضِ (٤) الخوفَ، وبالأمنِ الرعبَ، مع ما قد أعدَّ لهما في الآجلِ من أليمِ العقابِ وشديدِ العذابِ، فخابا وخسِرا ذلك هو الخُسرانُ المبينُ. وبنحوِ ما قلنا في ذلك كان قتادةُ يقولُ (٥).

حدَّثنا بشرٌ، قال: حدَّثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾: قد واللهِ رأيتُموهم، خرَجوا من الهدَى إلى الضلالةِ، ومن الجماعةِ إلى الفُرقةِ، ومن الأمنِ إلى الخوفِ، ومن السُّنَّةِ إلى البدعةِ (٦).

قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وما وجهُ قولِه: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾. وهل


(١) بعده في ص: "المملوكة".
(٢) في ص: "ثمنا".
(٣) في ص، م: "الحفظ". والخفض: الدعة وطيب العيش، التاج (خ ف ض).
(٤) في ص، م: "بالحفظ".
(٥) في ر، ت ٢: "يقوله".
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٥٠ (١٥٧) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٢ إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد. وتقدم أول هذا الأثر في ص ٣٢٥.