للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. ثم اقتصَّ قَصَصَهم إلى قولِه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾. فأين الدلالةُ على أنهم كانوا مؤمنين فكفَروا؟

فإن كان (١) قائلُ هذه المقالةِ ظنَّ (٢) أن قولَه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ هو الدليلُ على أن القومَ قد كانوا على الإيمانِ فانْتَقلوا عنه إلى الكفرِ، فلذلك قيل لهم: ﴿اشْتَرَوُا﴾. فإن ذلك تأويلٌ غيرُ مسلَّمٍ له؛ إذ كان الاشتراءُ عندَ مخالفيه قد يكونُ أخذَ شيْءٍ بتركِ آخرَ غيرِه، وقد يكونُ بمعنى الاختيارِ، وبغيرِ ذلك من المعاني، والكلمةُ إذا احْتَمَلت وجوهًا لم يكنْ لأحدٍ صَرْفُ معناها إلى بعضِ وجوهِها دونَ بعضٍ إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ لها.

قال أبو جعفرٍ: والذي هو أَوْلى عندي (٣) بتأويلِ الآيةِ ما رَوَينا عن ابنِ عباسٍ وابنِ مسعودٍ من تأويلِهما قولَه: ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾: أخَذوا الضلالةَ وترَكوا الهدى. وذلك أن كلَّ كافرٍ باللهِ فإنه مستبدِلٌ بالإيمانِ كفرًا (٤)، باكتسابِه الكفرَ الذي وُجد منه [بدلًا من الإيمانِ] (٥) الذي أُمِر به، أوَ ما تسمَعُ اللهَ جَلَّ ثناؤُه يقولُ في من اكْتَسب كفرًا به مكانَ الإيمانِ به وبرسولِه: ﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨]. وذلك هو معنى الشراءِ؛ لأنَّ كلَّ مشترٍ شيئًا فإنما يستبدلُ مكانَ الذي يُؤخذُ منه من البدلِ آخرَ بديلًا (٦) منه، [فكذلك المنافقُ والكافرُ] (٧)، اسْتَبدلَا بالهُدى الضلالَ والنِّفاقَ، فأضلَّهما اللهُ، وسلَبهما نورَ


(١) في ص: "ظن"، وفي ر: "قال".
(٢) سقط من: ص.
(٣) في ص: "عندنا".
(٤) بعده في ر: "و".
(٥) في ر: "بالإيمان".
(٦) في م: "بدلا".
(٧) في ص: "وكان الكافر والمنافق".