يقولُ تعالى ذكرُه: يا أيُّها الذين صدَّقوا اللَّهَ ورسولَه، إذا تناجَيتم بينَكم فلا تتناجَوا بالإثمِ والعُدوانِ ومعصيةِ الرسولِ، ولكن تناجَوا ﴿بِالْبِرِّ﴾. يعني: بطاعةِ اللَّهِ وما يُقَرِّبُكم منه، ﴿وَالتَّقْوَى﴾. يقولُ: وباتقائِه بأَداءِ ما كلَّفكم مِن فرائضِه واجتنابِ معاصيه، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. يقولُ: وخافوا اللَّهَ الذي إليه مصيرُكم، وعندَه مُجْتَمَعُكم، في تَضْييعِ فرائضِه، والتقدُّمِ على معاصيه، أن يعاقبَكم عليه عندَ مصيرِكم إليه.
ثم اختلَف أهلُ العلمِ في النجوى التي أخبَر اللَّهُ أنها مِن الشيطانِ، أيُّ ذلك هو؛ فقال بعضُهم: عُنِي بذلك مناجاةُ المنافقين بعضِهم بعضًا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: كان المنافقون يَتناجَون بينَهم، وكان ذلك يَغِيظُ المؤمنين ويَكْبُرُ عليهم، فأنزَل اللَّهُ في ذلك القرآنَ: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا﴾ الآية (١).
وقال آخرون بما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِ اللَّهِ ﷿: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. قال: كان الرجلُ يأتي رسولَ اللَّهِ ﷺ يسألُه الحاجةَ، ليُرِيَ الناسَ أنه قد ناجَى رسولَ اللَّهِ ﷺ. قال: وكان النبيُّ ﷺ ما لا يَمْنَعُ ذلك مِن أحدٍ.
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٨٤ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.