للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: يا أيُّها الذين صدَّقوا اللَّهَ ورسولَه، إذا تناجَيتم بينَكم فلا تتناجَوا بالإثمِ والعُدوانِ ومعصيةِ الرسولِ، ولكن تناجَوا ﴿بِالْبِرِّ﴾. يعني: بطاعةِ اللَّهِ وما يُقَرِّبُكم منه، ﴿وَالتَّقْوَى﴾. يقولُ: وباتقائِه بأَداءِ ما كلَّفكم مِن فرائضِه واجتنابِ معاصيه، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. يقولُ: وخافوا اللَّهَ الذي إليه مصيرُكم، وعندَه مُجْتَمَعُكم، في تَضْييعِ فرائضِه، والتقدُّمِ على معاصيه، أن يعاقبَكم عليه عندَ مصيرِكم إليه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: إنما المناجاةُ مِن الشيطانِ.

ثم اختلَف أهلُ العلمِ في النجوى التي أخبَر اللَّهُ أنها مِن الشيطانِ، أيُّ ذلك هو؛ فقال بعضُهم: عُنِي بذلك مناجاةُ المنافقين بعضِهم بعضًا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: كان المنافقون يَتناجَون بينَهم، وكان ذلك يَغِيظُ المؤمنين ويَكْبُرُ عليهم، فأنزَل اللَّهُ في ذلك القرآنَ: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا﴾ الآية (١).

وقال آخرون بما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِ اللَّهِ ﷿: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. قال: كان الرجلُ يأتي رسولَ اللَّهِ يسألُه الحاجةَ، ليُرِيَ الناسَ أنه قد ناجَى رسولَ اللَّهِ . قال: وكان النبيُّ ما لا يَمْنَعُ ذلك مِن أحدٍ.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٨٤ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.