للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذلك قوله: ﴿أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾. إنما معناه: إن تُنْفِقُوا طَوْعًا أو كَرْهًا ﴿لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ﴾.

وقيل: إن هذه الآيةَ نَزَلَت في الجَدِّ بن قَيْسٍ، حين قال للنبي ، لمَّا عَرَضَ عليه النبي الخروج معه لغزو الروم: هذا مالى أُعينك به.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال ابن عباس: قال الجَدُّ بنُ قَيْسٍ: إنى إذا رأيتُ النساء لم أَصْبِرْ حتى أُفْتَتَنَ، ولكن أُعِينك بمالي. قال: ففيه نَزَلَت: ﴿أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ﴾. قال: لقوله: أُعِينُك بمالى (١).

القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤)﴾.

يقول تعالى ذكره: وما منع هؤلاء المنافقين، يا محمد، أن تُقبل منهم نَفَقاتُهم التي يُنفقونها في سَفَرِهم معك، وفى غير ذلك من السُّبُلِ ﴿إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ فـ "أن" الأولى في موضع نَصْبٍ، والثانية في موضع رفع؛ لأن معنى الكلام: ما مَنَع قبول نَفَقاتِهم إلا كفرهم باللَّهِ، ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾، يقول: لا يأتونها إلا مُتَناقِلين بها؛ لأنهم لا يرجون بأدائها ثوابًا، ولا يخافون بتَرْكِها عِقابًا، وإنما يُقيمونها مخافة على أنفسهم بتَرْكِها مِن المؤمنين، فإذا أَمِنُوا لم يُقيموها، ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ﴾. يقولُ: ولا يُنْفِقُون مِن أموالهم شيئًا هو ﴿إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ أن يُنْفِقوه في الوَجْهِ الذي يُنْفِقُونه فيه، مما فيه


(١) ينظر ما تقدم في ص ٤٩٢.