للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّديِّ: أما ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ فمَن وجَد ما يحجُّ به، ثم لا يحجُّ، فهو كافرٌ (١).

وأولى التأويلاتِ بالصوابِ في ذلك قولُ مَن قال: معنى ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾: ومن جحَد فرْضَ ذلك وأَنْكَر وجوبَه فإن اللَّهَ غنيٌّ عنه وعن حجِّه، وعن العالمين جميعًا.

وإنما قلنا ذلك أولى به؛ لأن قولهَ: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾. بِعَقِبِ قوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾. بأن يكونَ خبرًا عن الكافرَ بالحجِّ، أحقُّ منه بأن يكونَ خبرًا عن غيره، مع أن الكافرَ بفرضِ الحجِّ على من فرَضه اللَّهُ عليه، باللَّهِ كافرٌ، وأن الكفرَ أَصْلُه الجحودِ، ومن كان له جاحدًا، ولفرضِه منكرًا، فلا شكّ إِنْ حجَّ لم يَرْجُجُ بحجِّه بِرًّا، وإن تَرَكَه فلم يَحُجَّ لم يَرَهُ مأثمًا.

فهذه التأويلاتُ، وإن اخْتَلَفَت العباراتُ بها، فمتقارباتُ المعانى.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨)﴾.

يعنى بذلك: يا معشرَ يهودِ بني إسرائيلَ وغيرِهم من سائرِ مَن يَنْتَحِلُ الدِّيانةَ بما أَنْزل الله ﷿ من كتبِه، ممن كفَر بمحمدٍ ، وجحَد نبوَّته: لمَ تَجْحدون ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ يقولُ: لمَ تجحَدون حُججَ اللهِ التي آتاها محمدًا في كتبِكم وغيرها، التي قد ثَبَتَتْ عليكم بصدقِه ونبوته حُجَّتُه. وأنتم تعلَمون (٢). يقولُ: لم تجحَدون ذلك من أمرِه وأنتم تعلَمون صدقه؟ فَأَخْبر جلَّ ثناؤُه عنهم أنهم


(١) ذكره البغوي في تفسيره ٢/ ٧٤ بنحوه، وذكره أبو حيان في البحر المحيط ٣/ ١٢ وفيه، فهذا كفر معصية.
(٢) ليس هذا من الآية، فتمام الآية: ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾. ويمكن أن يكون المصنف أورد هذه العبارة من عنده، أو اقتباسًا من الآيات الأخرى؛ لاعتباره ذلك متسقا مع علم اليهود بصدق النبي .