للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلَّما أراد رجلٌ أَن يَدْخُلَ أُرْعِب، فلم يُطِقْ أَحدٌ أن يَدْخُلَه، فقال قائلٌ: أليس لو كنتَ قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى. قال: فابْنِ عليهم باب الكهف، ودعهم فيه يموتوا عَطَشًا وجوعًا. ففعل (١).

القولُ في تأويل قوله: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢)﴾.

يعنى جلَّ ثناؤه بقوله: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ﴾: فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف. أي: ألقينا عليهم النوم، كما يقول القائل لآخر: ضربك الله بالفالج. بمعنى: ابتلاه الله به، وأرسله عليه، وقولُه: ﴿سِنِينَ عَدَدًا﴾. يعنى: سنين معدودةً، ونُصِب العددُ بقوله: ﴿فَضَرَبْنَا﴾.

وقوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾. يقولُ: ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددًا من رقْدَتِهم؛ لينظُرَ عبادى فيعْلَموا بالبحث أيُّ الطائفتين اللتين اختَلَفتا في قدْرِ مَبْلَغِ مُكْثِ الفِتية في كهفهم رقودًا ﴿أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا﴾. يقولُ: أصوبُ لقدْرِ لُبثهم فيه، ﴿أَمَدًا﴾، ويَعْنى بالأمد الغاية، كما قال النابغة (٢):

إلَّا لمثلك أو مَن أنتَ سابقُهُ … سَبقَ الجَوَادِ إذا استولى على الأمد

وذكر أن الذين اختلفوا في ذلك في أمورهم قومٌ من قوم الفتية؛ فقال بعضهم: كان الحزبان جميعًا كافرين. وقال بعضُهم: بل كان أحدهما مسلمًا، والآخرُ كافرًا.


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ٣٩٧ - ٣٩٩، وينظر عرائس المجالس ص ٣٧٨، وتفسير البغوي ٥/ ١٤٩.
(٢) ديوانه ص ١٤.