للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأضاف جلَّ وعزَّ فِعْلَ ما فعَله مَن كانوا على منهاجِه وطريقتِه إلى جميعِهم، إذ كانوا أهلَ ملةٍ واحدةٍ، ونِحْلةٍ واحدةٍ، وبالرِّضا من جميعِهم فَعَلَ مَا فَعَلَ فاعِلُ ذلك منهم، على ما قد بيَّنا من نظائرِه فيما مضَى قبلُ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ونقولُ للقائلين: إنَّ اللَّهَ فقيرٌ ونحن أغنياءُ. القاتلين أنبياءَ اللَّهِ بغيرِ حقٍّ - يومَ القيامةِ: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. يعنى بذلك: عذابَ نارٍ محرقةٍ ملتهبةٍ. والنارُ اسمٌ جامعٌ للملتهبةِ منها وغيرِ الملتهبةِ، وإنما الحريقُ صفةٌ لها، يرادُ بها أنها مُحرِقَةٌ، كما قيل: ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. بمعنى: مُؤلمٌ. و: وجيعٌ. بمعنى: مُوجِعٌ.

وأما قولُه: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. يعنى أن قولَنا لهم يومَ القيامةِ: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. بما أَسْلَفت أيديكم، واكتسبتها في أيامِ حياتِكم في الدنيا (٢)، وبأن اللَّهَ جلَّ ثناؤه عَدْلٌ لا يجورُ فيُعاقِبَ عبدًا له بغيرِ استحقاقٍ منه العقوبةَ، ولكنه يجازِى كلَّ نفسٍ بما كسَبت، ويُوفِّي كلَّ عاملٍ جزاءَ ما عمِل فجازى الذين قال لهم يومَ القيامةِ، من اليهودِ الذين وصَف صفتَهم، فأَخْبَر عنهم أنهم قالوا: إن اللَّهَ فقيرٌ ونحن أغنياءُ. وقتَلوا بغيرِ حقٍّ الأنبياءَ صلواتُ اللَّهِ عليهم - بما جازاهم به من عذابِ الحريقِ، بما اكتسبوا من الآثامِ، واجترحوا من السيئاتِ، وكذَبوا على اللَّهِ، بعدَ الإعذارِ إليهم والإنذارِ. فلم يكنْ عزَّ ذِكْرُه بما عاقَبهم به من إذاقتِهم عذابَ الحريقِ، ظالمًا، ولا واضعًا عقوبتَه في غيرَ أهلِها، وكذلك هو جلَّ ثناؤُه غيرُ ظلَّامٍ أحدًا من خلقِه، ولكنه العادلُ بينَهم، والمتفضِّلُ على جميعِهم، بما


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٤٢، ٦٤٣، ٢/ ٥٦، ٥٧.
(٢) بعده في ص، ت ١: "والآخرة".