للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عينًا مِن الحجرِ الذى وصَف صفتَه فى هذه الآيةِ، يَشْرَبُ منها دونَ سائرِ الأسباطِ غيرِه، لا يَدْخُلُ سِبْطٌ منهم فى شِرْبِ سِبْطٍ غيرِه، فكان مع ذلك لكلِّ عينٍ مِن تلك العيونِ الاثنتَىِ العشْرةَ موضعٌ مِن الحجرِ، قد عرَفه السِّبْطُ الذى منه شِرْبُه (١)، فلذلك خصَّ جلَّ ثناؤُه هؤلاء بالخبرِ عنهم أن كلَّ أناسٍ منهم كانوا عالِمِين بمَشْرَبِهم دونَ غيرِهم مِن الناسِ، إذ كان غيرُهم -فى الماءِ الذى لا يَمْلِكُه أحدٌ- شُركاءَ فى مَنابعِه ومَسايلِه، وكان كلُّ سِبْطٍ مِن هؤلاء [كان منفردًا] (٢) بشرْبِ مَنبَعٍ مِن مَنابعِ الحجرِ -دونَ سائرِ مَنابعِه- خاصٍّ لهم دونَ سائرِ الأسْباطِ غيرِهم، فلذلك خصَّ بالخبرِ عنهم أن كلَّ أناسٍ منهم قد علِموا مَشْرَبَهم.

القولُ فى تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ﴾.

وهذا أيضًا مما اسْتُغْنى بذكرِ ما هو ظاهرٌ منه عن ذكرِ ما تُرِك ذكرُه. وذلك أن تأويلَ الكلامِ: فقلنا: اضْرِبْ بعصاك الحجرَ. فضرَبه، فانْفَجَرَت منه اثنتا عشْرةَ عينًا، قد علِم كلُّ أناسٍ منهم (٣) مَشْرَبَهم، فقيل لهم: كلوا واشْرَبوا مِن رزقِ اللهِ. أخْبَر جلَّ ثناؤُه أنه أمَرَهم بأكلِ ما رزَقهم فى التِّيهِ مِن المنِّ والسلوى، وبشربِ ما فجَّر لهم (٤) مِن الماءِ مِن الحجرِ المُتعاوَرِ (٥) الذى لا قَرارَ له فى أرضٍ، ولا سبيلَ إليه [لماءٍ، ولكنَّه] (٦) يَتَدَفَّقُ بعيونِ الماءِ، ويَزْخَرُ بيَنابيعِ العَذْبِ الفُراتِ، بقدرةِ ذى الجَلالِ والإكْرامِ.


(١) الشرب، بالكسر: النصيب من الماء والحصة منه. المصباح المنير (ش ر ب).
(٢) فى ر، م: "مفردا".
(٣) زيادة من: ر.
(٤) بعده فى ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فيه".
(٥) اعتوَروا الشئ وتعوَّروه وتعاوَروه: تداولوه فيما بينهم. اللسان (ع و ر).
(٦) فى ر: "لماء لكنه"، وفى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لمالكيه".