للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)﴾.

وهذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه، أخبرَ المؤمنين به أن قبولَ توبةِ مَن تابَ مِن المنافقين، وأخْذَ الصدقةِ مِن أموالِهم إذا أعْطَوها - ليسا إلى نبيِّ اللهِ ، وأن نبيَّ الله حينَ أبَى أن يُطْلِقَ مَن رَبَطَ نفسَه بالسَّوارِى من المتخلفين عن الغزوِ معه، وحينَ تَرَكَ قبولَ صَدَقتِهم بعدَ أن أطلقَ اللهُ عنهم حتى (١) أَذِنَ له في ذلك - إنما فَعَلَ ذلك مِن أجلِ أن ذلك لم يكنْ إليه ، وأن ذلك إلى اللهِ تعالى ذكرُه دونَ محمدٍ، وأن محمدًا إنما يفعلُ ما يفعلُ مِن تَرْكٍ وإطلاقٍ وأخْذٍ صدقةٍ، وغيرِ ذلك مِن أفعالِه بأمرِ اللهِ. فقال جلَّ ثناؤُه: ألم يعلمْ هؤلاءِ المُتَخَلِّفون عن الجهادِ مع المؤمنين، المُوثِقو أنفسِهم بالسَّوارِى، القائلون: لا تُطلِقُ أنفسَنا حتى يكونَ رسولُ اللهِ هو الذي يُطْلِقُنا. السَّائلو رسولِ اللهِ أخْذَ صدقةِ أموالِهم - أنَّ ذلك ليس إلى محمدٍ، وأن ذلك إلى اللهِ، وأن الله هو الذي يقبلُ توبةَ مَن تابَ مِن عبادِه، أو يَرُدُّها، ويأخُذُ صدقةَ مَن تَصدَّقَ منهم، أو يَرُدُّها عليه دونَ محمدٍ، فيُوجِّهوا توبتَهم وصدقتَهم إلى اللهِ، ويقصِدوا بذلك قصدَ وجهِه دونَ محمدٍ وغيرِه، ويُخلِصوا التوبةَ له ويُريدوه بصدقتِهم، ويَعْلَموا أن الله هو التوابُ الرحيمُ؟ يقولُ: [المُراجِعُ لعبيدِه] (٢) إلى العفوِ عنهم إذا رجَعوا إلى طاعتِه، الرحيمُ بهم إذا هم أنابُوا إلى رِضاه مِن عقابِه.

وكان ابن زيدٍ يقولُ في ذلك ما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: قال الآخرون: يعنى الذين لم يَتوبوا من المُتخلِفين: هؤلاءِ، يعنى الذين


(١) في م، ت ١، ت ٢، س، ف: "حين".
(٢) في م: "المرجع بعبيده"، وفى ف: "الراجع لعبيده".