ثناؤُه: فكيف يُكذِّبونَه وهم يَعرِفونه فيهم بالصدقِ والأمانةِ؟
﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾. يقولُ: أيقولون: بمحمدٍ جنونٌ، فهو يتكلَّمُ بما لا معنَى له ولا يُفهم، ولا يَدْرِى ما يقولُ؟ ﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فإن يقولوا ذلك، فإنَّ كَذِبَهم في قيلهم ذلك واضحٌ بيِّنٌ، وذلك أن المجنونَ يَهذِى فيأتى من الكلامِ بما لا معنى له، ولا يُعقلُ ولا يُفهمُ، والذي جاءهم به محمدٌ هو الحكمةُ التي لا أحْكَمَ منها، والحقُّ الذي لا تَخفى صحتُه على ذى فِطْرةٍ صحيحةٍ، فكيف يجوزُ أن يُقالَ: هو كلامُ مجنونٍ؟
وقولُه: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ما بهؤلاءِ الكفرةِ أنهم لم يَعرِفوا محمدًا بالصدقِ، ولا أن محمدًا عندهم مجنونٌ، بل قد علِموه صادقًا مُحِقًا فيما يقولُ وفيما يَدعوهم إليه، ولكنَّ أكثرَهم للإذعانِ للحقِّ كارهون، ولاتِّباع محمدٍ ساخطون؛ حَسدًا منهم له، وبَغْيًا عليه، واستكبارًا في الأرضِ.
يقول تعالى ذكره: ولو عمِل (١) الربُّ تعالى ذكرُه بما يَهوى هؤلاءِ المشركون، وأجرَى التدبيرَ على مشيئتِهم وإرادتِهم، فترَك الحقَّ الذي هم له كارهون، لفسدتِ السماواتُ والأرضُ ومن فيهنَّ، وذلك أنهم لا يعرفون عواقبَ الأمورِ، والصحيحَ من التدبيرِ والفاسدَ، فلو كانتِ الأمورُ جاريةً على مشيئتِهم وأهوائِهم - مع إيثارِ أكثرِهم الباطلَ على الحقِّ - لم تَقِرَّ السماواتُ والأرضُ ومن فيهن مِن خلقِ اللهِ؛ لأن ذلك قامَ بالحقِّ.