للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النعيم والخير، وما فيه موسى من الفقر وعيِّ اللسان؟ افتخر بملكه مصر عدو الله، وما قد مُكِّنَ له في الدنيا، استدراجًا مِن الله له، وحَسِب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بأيده (١) وحَوْلِه (٢)، وأن موسى إنما لم يَصِل إلى الذي [هو فيه لضعفه] (٣)، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة، مُحْتَجا على جَهَلة قومِه بأن موسى لو كان مُحِقًّا فيما يأتى به من الآيات والعبر، ولم يَكُنْ ذلك سِحْرًا، لأكسَبَ نفسَه مِن الملكِ والنعمة، مثل الذي هو فيه من ذلك، جهلا بالله، واغترارًا منه بإملائه إياه.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ (٤) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣)﴾.

يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل فرعون لقومه، بعد احتجاجه عليهم بملكه وسُلْطانِه، وبيان لسانه، وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى؛ بالصفات التي وصف بها نفسَه وموسى: أنا خيرٌ أيُّها القوم، وصفتى هذه الصفة التي وصفت لكم، أم هذا الذي هُو مَهينٌ لا شيء له مِن المُلْكِ والأموال، مع العلة التي به في جسده، والآفة التي به بلسانه، فلا يكادُ مِن أجلها يُبينُ كلامه؟

وقد اختلف في معنى قوله: ﴿أم﴾ في هذا الموضع؛ فقال بعضهم: معناها: بل أنا خيرٌ، وقالوا: ذلك خبرٌ، لا استفهامٌ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدى قوله: ﴿أَمْ أَنَا


(١) في م: "بيده"، وأيده: قوته. الوسيط (أ ى د).
(٢) في الأصل: "قوته".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يصفه".
(٤) في الأصل، ص، ت ١، ت ٣: "أساورة". وهما قراءتان متواترتان كما سيأتي في ص ٦١٤.