للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخبولَ العقلِ.

وأصلُ الحرَضِ الفسادُ في الجسمِ والعقلِ؛ من الحزنِ أو العشقِ، ومنه قولُ العَرْجيِّ (١):

إنى امرُؤٌ لجَّ بى حُبٌّ فأحْرَضَنى … حتى بَلِيتُ وحتى شفَّنى السَّقَمُ

يعنى بقولِه: فأحرضنى: أذابنى فترَكنى مُحْرَضًا. يُقالُ منه: رجلٌ حَرَضٌ، وامرأةٌ حَرَضٌ، وقومٌ حَرَضٌ، ورجلانِ حَرَضٌ. على صورةٍ واحدةٍ للمذكَّرِ والمؤنثِ، وفى التثنيةِ والجمعِ. ومن العربِ مَن يقولُ للذكَرِ: حارضٌ. وللأنثى حارضةٌ. فإذا وصَف بهذا اللفظِ ثنَّى وجمَع، وذكَّر وأنَّث. ووُحِّد "حَرَضٌ" بكلِّ حالٍ ولم يَدْخُلْه التأنيثُ؛ لأنه مصدرٌ. فإذا أُخْرِج على "فاعلٍ" على تقديرِ الأسماءِ، لزِمه ما يَلْزَمُ الأسماءَ مِن التثنيةِ والجمعِ، والتذكيرِ والتأنيثِ. وذكَر بعضُهم سماعًا: رجلٌ مُحرضٌ. إذا كان وَجِعًا، وأنْشَد في ذلك بيتًا:

طلَبَتْه الخيلُ يومًا كاملا … ولو الْفَتْه لأَضْحَى مُحْرَضا

وذُكر أن منه قولَ امرِئَ القيسِ (٢):

أرَى المرءَ ذا الأذْوادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا … كإحراضِ بَكْرٍ في الديارِ مرِيضِ

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾: يعنى الجهدَ في


(١) مجاز القرآن لأبى عبيدة ١/ ٣١٧، والأغانى ١/ ٣٨٩.
(٢) ديوانه ص ٧٧.