للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنسِبائِه وأموالِهم، أبعدُ مِن أن تُغنى عنه مِن اللهِ شيئًا.

ثم أخبَر جلّ ذكرُه أنهم هم أهلُ النارِ الذين هم أهلُها بقولِه: ﴿وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾. وإنما جعَلَهم أصحابَها؛ لأنهم أهلُها الذين لا يخرُجون منها ولا يُفارقونها، كصاحبِ الرجلِ الذى لا يُفارِقُه، وقَرينِه الذي لا يُزايلُه، ثم وَكَّدَ ذلك بإخبارِه عنهم أنهم فيها خالدون: إنَّ (١) صُحْبَتَهم إيَّاها صحبةٌ لا انقِطاعَ لها، إِذْ كان مِن الأشياءِ ما يُفارِقُ صاحبَه فى بعضِ الأحوالِ، ويُزايله في بعضِ الأوقاتِ، وليس كذلك صحبةُ الذين كفروا بالله النارِ التى أُصْلُوها، ولكنها صحبةٌ دائمةٌ لا نهايةَ لها ولا انقطاعَ، نعوذُ باللهِ منها، ومما قرَّب منها مِن قولٍ وعملٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ﴾.

يَعْنى بذلك جلّ ثناؤُه: شَبَهُ ما يُنْفِقُ الذين كفروا -أي: شَبَهُ ما يَتَصدَّقُ به الكافرُ مِن مالِه، فيُعْطِيه مَن يُعْطِيه على وَجْهِ القُرْبةِ إِلى رَبِّه، وهو لوحدانيةِ اللهِ جاحدٌ، ولمحمدٍ نبيِّه مُكَذِّبٌ، في أنَّ ذلك غيرُ نافِعِه مع كُفْرِه، وأنه مُضْمَحِلٌ عندَ حاجتِه إليه، ذاهبٌ بعد الذى كان يَرْجو مِن عائدةِ نَفْعِه عليه- كشَبَهِ ﴿رِيحٍ فِيهَا [صِرٌّ﴾ يعنى: فيها] (٢) بَرْدٌ شديدٌ، ﴿أَصَابَتْ﴾ هذه الريحُ التي فيها البَرْدُ الشديدُ: ﴿حَرْثَ قَوْمٍ﴾. يعنى: زرعَ قومٍ، قد أَمَّلُوا إدراكَه، ورَجَوا رَيْعَه، وعائدةَ نَفْعِه، ﴿ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾. يعنى: أصحابَ الزرعِ، عَصَوا اللَّهَ وتَعَدُّوا حدودَه؛ ﴿فَأَهْلَكَتْهُ﴾، يقولُ: فأهلَكَت الريحُ التي فيها الصِّرُّ زرعَهم ذلك، بعدَ الذى كانوا عليه مِن الأملِ، ورجاءِ عائدةِ نَفْعِه عليهم.


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) سقط من: م.