للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليدِ إلا فتح الفاء وكسر الميم. وكان الفرَّاءُ يحكى فيهما - أعنى في مِرفَقِ الأَمْرِ واليد - اللغتين كِلْتَيهما، وكان يُنْشِدُ في ذلك قول الشاعر (١):

* بِتُّ أُجَافِى مِرْفَقًا عن مَرْفِقِى*

ويقولُ: كسر الميم فيه أجودُ (٢).

وكان بعض نحويِّى أهل البصرة يقولُ في قوله: ﴿مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾. شيئًا تَرتَفِقُون به، مثل المقطع، ومَرْفِقًا جعَله اسمًا كالمسجد، ويكونُ لغةً، يقولون: رفق يَرْفُقُ مَرْفِقًا، وإن شئتَ مَرْفَقًا، تريدُ رفقًا، ولم يُقرأْ.

وقد اختلفتِ القَرَأَةُ في قراءة ذلك؛ فقرأته عامَّةُ قرأةٍ أهل المدينة: (ويُهَيِّئ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُم مَرْفِقًا) بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأته عامة قرأة العراق في المِصْرَينِ: ﴿مِرْفَقًا﴾ بكسر الميم وفتح الفاء (٣).

والصواب من القول في ذلك أن يُقالَ: إنَّهما قراءتان بمعنى واحدٍ، قد قرأ بكلِّ واحدةٍ منهما قرأةٌ من أهل القرآن، فبأيَّتهما قرأ القارئُ فمُصِيبٌ، غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإنَّ الذي أختارُ في قراءة ذلك: ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾. بكسر الميم وفتح الفاء؛ لأن ذلك أفصحُ اللغتين وأشهرُهما في العرب، وكذلك ذلك في كلِّ ما ارتُفِق به من شيءٍ (٤).

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ


(١) ينظر اللسان (ر ف ق).
(٢) معاني القرآن ٢/ ١٣٦، وليس فيه الشاهد.
(٣) قرأ نافع وابن عامر بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأ الباقون بكسر الميم وفتح الفاء. ينظر الكشف ٢/ ٥٦، وحجة القراءات ص ٤١٢.
(٤) بعده في ت ١، ف: "والله تعالى الموفق والملهم للصواب بمنه ويمنه".