للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الانقطاعِ عنه، ومعناه: ولكن قد (١) يُثْقَفون بحبلٍ مِن اللهِ وحبلٍ مِن الناسِ، كما قيل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢]. فالخطأُ وإن كان منصوبًا بما عمل فيما قبلَ الاستثناءِ، فليس قولُه باستثناءٍ متصلٍ بالأول بمعنى: إلا خطأً فإن له قتلَه كذلك. ولكنّ معناه: ولكن قد يَقْتُلُه خطأً. فكذلك قولُه: ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ﴾. وإن كان الذي جلب الباءَ التي بعد ﴿إِلَّا﴾ الفعلُ الذي يَقْتَضِيها قبلَ ﴿إِلَّا﴾، فليس الاستثناءُ بالاستثناءِ المتصلِ بالذى قبلَه، بمعنى أن القومَ إذا لُقُوا فالذلةُ زائلةٌ عنهم، بل الذلةُ ثابتةٌ لهم (١) بكلِّ حالٍ، ولكن معناه ما بيَّنا آنفًا

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾: وتَحمَّلوا غضبَ اللهِ فانصرَفوا به مستحقِّيه. وقد بيّنا أصلَ ذلك بشواهدِه، ومعنى المسكنةِ، وأنها ذُلُّ الفاقةِ والفقرِ وخُشوعُهما، ومعنى الغضبِ مِن اللهِ، فيما مضَى بما أغنى عن إعادتِه فى هذا الموضعِ (٢).

وقولُه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾. يعني جلَّ ثناؤه بقولِه: ﴿ذَلِكَ﴾ أى: بَوْءُهم الذى باءوا به مِن غضبِ اللَّهِ، وضَرْبُ الذلةِ عليهم، بَدَلٌ مما كانوا يَكْفُرون بآياتِ اللهِ. يقولُ: مما كانوا يَجْحَدُون أعلامَ اللَّهِ وأدلتَه على صدقِ أنبيائِه، وما فُرِض عليهم مِن فرائضِه، ﴿وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْر


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) ينظر ما تقدم فى ١/ ١٨٩، ١٩٠، ٢/ ٢٦، ٢٧.