للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خارجٌ مِن أولِ الكلامِ. قال: وليس ذلك بأشدَّ مِن قولِه: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ [مريم: ٦٢].

وقال آخرون مِن نحويِّى الكوفةِ: هو استثناءٌ متصلٌ. والمعنى: ضُرِبت عليهم الذلةُ أينَما تُقفوا. أى: بكلِّ مكانٍ، إلا بموضعِ حبلٍ مِن الله. كما تقولُ: ضُرِبت عليهم الذلةُ فى الأمكنةِ إلا فى هذا المكانِ.

وهذا أيضًا طلَبَ الحزَّ (١)، فأخطأ المَفْصِلَ، وذلك أنه زعَم أنه استثناءُ مُتَّصلٌ، ولو كان متصلًا كما زعَم، لوجَب أن يكونَ القومُ إذا ثُقِفوا بحبلٍ مِن الله وحبلٍ مِن الناسِ غيرَ مضروبةٍ عليهم الذلةُ (٢). وليس ذلك صفةَ اليهودِ؛ لأنهم أينما ثُقِفُوا بحبلٍ مِن الله وحبلٍ مِن الناسِ، أو بغيرِ حبلٍ مِن الله وغيرِ حبلٍ مِن الناسِ، فالذلةُ مضروبةٌ عليهم، على ما ذكَرنا عن أهلِ التأويلِ قبلُ (٣). فلو كان قولُه: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾. استثناءً متصلًا، لوجَب أن يكونَ القومُ إذا ثُقِفوا بعهدٍ وذمةٍ، ألا تكون الذلةُ مضروبةً عليهم، وذلك خلافُ ما وصَفهم الله به مِن صفتِهم، وخلافُ ما هم به من الصفةِ، فقد تبينَّ أيضًا بذلك فسادُ قولِ هذا القائلِ أيضًا.

ولكنَّ القولَ عندَنا أن الباءَ فى قولِه: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ﴾. أُدْخِلت لأن الكلامَ الذى قبلَ الاستثناءِ مُقتضٍ فى المعنى الباءَ. وذلك أن (٤) معنى قولِه: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾: ضرِبت عليهم الذلةُ بكلِّ مكانٍ ثُقِفُوا. ثم قال: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾. على غيرِ وجهِ الاتصالِ بالأولِ، ولكنه على


(١) فى ص، م، ت ١، ت ٢، س: "الحق". وهو من قولهم: إنك لتكثر الحزَّ وتخطئ المفصل. مثل يضرب لمن يجتهد فى السعى ثم لا يظفر بالمراد. ينظر نهاية الأرب ٣/ ١١، ومجمع الأمثال ١/ ٩٦.
(٢) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "المسكنة".
(٣) فى ص، ت ١: "قيل".
(٤) فى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "هو".