للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُخبرَنا. فقال: ما عَهِد إليَّ رسولُ اللَّهِ إلا كتابًا في قِرابِ سَيْفى هذا. فاستلَّه، فاستَخْرج الكتابَ مِن قِرابِ سيفِه، وإذا فيه: "إنه لم يكنْ نبيٌّ إلَّا له حَرَمٌ، وإنى حرَّمتُ المدينةَ كما حرَّم إبراهيمُ مكَّةَ؛ لا يُحمَلُ فيها السلاحُ لقِتالٍ. مَن أحدثَ حدَثًا، أو آوَى مُحْدِثًا، فعليه لعنةُ اللَّهِ والملائكةِ والناسِ أجْمَعين، لا يُقبلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ". فلمَّا خرَجا قال أحدُهما لصاحبِه: أما ترى هذا الكتابَ؟ فرجَعا وترَكاه، وقالا: إنا سمِعنا اللَّهَ يقولُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾. وإن القومَ قد افترَوا فِريَةً، ولا أرى (١) إلا ستنزِلُ بهم ذِلَّةٌ (٢).

حدَّثنى المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزبيرِ، عن ابن عيينةَ، في قولِه: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾. قال: كلُّ صاحبِ بدعةٍ ذليلٌ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)﴾.

وهذا خبرٌ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه أنه قابلٌ مِن كلِّ تائبٍ إليه مِن ذَنْبٍ أتاه، صغيرةً كانت معصيتُه أو كبيرةً، كفرًا كانت أو غيرَ كفرٍ، كما قَبِل مِن عبَدَةِ العجلِ توبَتَهم بعدَ كفرِهم به بعبادتِهم العجلَ وارْتِدادِهم عن دينِهم.

يقولُ جلَّ ثناؤُه: والذين عمِلوا الأعمالَ السيئةَ ثم رجَعوا إلى طلبِ رضا اللَّهِ بإنابتِهم إلى ما يُحبُّ مما يَكرهُ، وإلى ما يرضَى مما يَسخَطُ، مِن بعدِ سيِّئ أعمالِهم،


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف: "أدرى".
(٢) أخرج آخره إسحاق بن راهويه - كما في المطالب العالية (٣٩٧٩) - من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن علي به، وأصله في البخارى (١٨٧٠)، ومسلم (١٣٧٠).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٥٧١ (٩٠٠٨)، والبيهقى في شعب الإيمان (٩٥٢٢) من طريق ابن أبي عمر العدنى عن سفيان به، وينظر تفسير البغوي ٣/ ٢٨٥.