للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيز، قال: ثنا قيسٌ، عن سالم الأفطسِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾. قال: هم رسلُ النجاشيِّ الذين أرسل بإسلامه وإسلام قومه، كانوا سبعين رجلًا، اختارهم، الخيِّر فالخيِّر، فدخلوا على رسول الله ، ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: ١، ٢]. فبكوا وعرَفوا الحقَّ، فأنزل الله فيهم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾. وأنزَل فيهم: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ إلى قوله: ﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص:٥٢ - ٥٤].

والصواب في ذلك من القول عندَنا أن يُقالَ: إن الله تعالى ذكرُه أخبر عن النفرِ الذين أثنى عليهم من النصارى، بقُربِ مودَّتِهم لأهل الإيمان بالله ورسوله، أن ذلك إنما كان منهم لأن منهم أهل اجتهادٍ في العبادة، وتَرهبٍ (٢) في الديارات والصوامع، وأن منهم علماء بكُتُبهم وأهل تلاوةٍ لها، فهم لا يبعُدون من المؤمنين، لتواضعهم للحقِّ إذا عرفوه، ولا يستكبِرون عن قَبوله إذا تَبَيَّنوه؛ لأنهم أهلُ دينٍ واجتهادٍ فيه ونصيحةٍ لأنفسهم في ذاتِ اللهِ، وليسوا كاليهود الذين قد دربوا بقتل الأنبياء والرسلِ، ومعاندة الله في أمره ونهيه، وتحريفِ تنزيلِه الذي أنزَله في كتبه.

القولُ في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ


(١) ذكره الزيلعى في تخريج الكشاف ١/ ٤١٦ عن المصنف، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٨٨ (١٦٩٧٧)، وابن مردويه - كما في تخريج الكشاف - من طريق قيس به، وأخرجه في ٤/ ١١٨٤، ١١٨٥ (٦٦٧٣، ٦٦٧٩) من طريق سالم به مختصرًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٠٢ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "ترهيب".