للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)﴾.

يعني تعالى ذكرُه بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾: وكما فصَّلْنا لك في هذه السورة من ابتدائِها وفاتحتِها يا محمدُ إلى هذا الموضعِ، حجتَنا على المشركين مِن عَبَدةِ الأوثانِ، وأدلتَنا، وميَّزْناها لك وبيَّناها، كذلك نُفَصِّلُ لك أعلامَنا وأدلتَنا في كلِّ حقٍّ يُنْكِرُه أهلُ الباطل من سائر أهل الملل غيرِهم، فنُبَيِّنُها لك حتى يَتَبَيَّنَ حقُّه من باطله، وصَحيحُه مِن سَقيمِه.

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينة: (ولتَسْتَبِينَ) بالتاءِ (سَبِيلَ المجْرمِين) (٢) بنصبِ "السبيلِ"، على أنَّ "تستبين" خطابٌ للنبيِّ ، كأن معناه عندَهم: ولِتَسْتَبِينَ أنت يا محمدُ سبيلَ المجرمين.

وكان ابن زيدٍ يَتَأَوَّلُ ذلك: ولِتَسْتَبِينَ أنت يا محمدُ سبيلَ المجرمين الذين سأَلوك طَرْدَ النفرِ الذين سأَلوه طردَهم عنه مِن أصحابِه.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: (ولِتَسْتَبِينَ سبيلَ المُجْرِمين). قال: الذين يَأْمُرُونك بطردِ هؤلاء (٣).

وقرَأ ذلك بعضُ المكِّيِّين وبعضُ البصريين: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالتاءِ ﴿سَبِيلُ


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٢/ ٢٢١، وابن عساكر في تاريخه ١٨/ ١٨٥ من طريق أبي خلدة به.
(٢) وهي قراءة نافع وأبي جعفر. ينظر النشر ٢/ ١٩٤.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٠٢ (٧٣٥٧) من طريق أصبغ، عن ابن زيد.