يعني جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ﴾: فاتَّقُوا أن تَصْلَوا النارَ بتكذيبِكم رَسُولي، بما جاءَكم به مِن عندي أنه مِن وَحْيي وتنزيلي، بعدَ تبيُّنِكم أنه كتابي ومن عندي، وقيامِ الحجةِ عليكم بأنه كلامي ووَحْيي، بعَجْزِكم وعَجْزِ جميعِ خَلْقي عن أن يأتُوا بمثلِه.
ثم وصَف جلَّ ذكرُه النارَ التي حذَّرهم صِلِيَّها، فأَخْبَرهم أن الناسَ وَقودُها، وأَن الحجارةَ وَقودُها، فقال: ﴿الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ يعني بقولِه: ﴿وَقُودُهَا﴾: حَطَبُها، والعربُ تجعَلُه مصدرًا، وهو اسمٌ إذا فتَحْتَ الواوَ بمنزلةِ الحطبِ، فإذا ضمَمْتَ الواوَ مِن "الوقودِ" كان مصدرًا مِن قولِ القائلِ: وقَدَت النارُ، فهي تقِدُ وُقودًا وقِدَةً ووَقَدانًا ووَقْدا، يُرادُ بذلك أنها التهبَتْ.
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وكيف خُصَّت الحجارةُ فقُرِنت بالناسِ، حتى جُعلَت لنارِ جَهنَّمَ حطبًا؟ قيل: إنها حجارةُ الكِبْرِيتِ، وهي أشدُّ الحجارةِ فيما بلغَنا حرًّا إِذا أُحْمِيت.
كما حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن مِسعرٍ، عن عبدِ الملكِ بنِ ميسرةَ الزرَّادِ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ سابطٍ، عن عمرِو بنِ ميمونٍ، عن عبدِ اللهِ في قولِه: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ قال: هي حجارةٌ مِن كِبريتٍ خلَقها اللهُ يومَ خلَق السماواتِ والأرضَ في السماءِ الدنيا يُعدُّها للكافرين (١).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٦٤ (٢٤٤)، والطبراني في الكبير (٩٠٢٦)، والحاكم ٢/ ٢٦١، ٤٩٤، والبيهقي في البعث والنشور (٥٠٣) من طريق مسعر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٦ إلى الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر. وينظر تفسير الثوري ص ٤٢.