ومياسرتِكم بالقداحِ، ليُعادِىَ بعضُكم بعضًا، ويُبَغِّضَ بعضَكم إلى بعضٍ، فيُشَتِّتَ أمرَكم بعدَ تأليفِ اللهِ بينكم بالإيمانِ، وجمعِه بينكم بأُخوةِ الإسلامِ، ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾. يقولُ: ويَصْرِفَكم بغَلَبَةِ هذه الخمرِ بشكْرِها إياكم عليكم، وباشتغالِكم بهذا الميسرِ عن ذكرِ اللهِ الذي به صلاحُ دنياكم وآخرتِكم، وعن الصلاةِ التي فرَضها عليكم ربُّكم، ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾. يقولُ: فهل أنتم مُنْتهون عن شُرب هذه، والمياسرةِ بهذا، وعامِلون بما أمرَكم به ربُّكم مِن أداءِ ما فرَض عليكم من الصلاةِ لأوقاتِها، ولُزومِ ذكرِه الذي به نُجْحُ طَلِباتِكم في عاجلِ دنياكم وآخرتكم.
واخْتلف أهلُ التأويلِ في السببِ الذي من أجلِه نزَلت هذه الآيةُ؛ فقال بعضُهم: نزَلت بسببٍ كان مِن عمرَ بن الخطابِ، وهو أنه ذكَر مكروهَ عاقبةِ شُرْبِها لرسولِ اللهِ ﷺ، وسأل الله تحريمَها.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا هنادُ بنُ السَّرِيِّ، قال: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبى ميسرةَ، قال: قال عمرُ: اللهم بَيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شافيًا. قال: فنزَلت الآيةُ التي في البقرةِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢١٩]. قال: فدُعِيَ عمرُ فقُرِئَتْ عليه، فقال: اللهم بَيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شافيًا. فنزَلت الآيةُ التي في النساءِ: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: ٤٣]. قال: وكان مُنادى النبيِّ ﷺ يُنادِى إِذا حَضَرت الصلاةُ: لا يَقْرَبَنَّ الصلاةَ السكرانُ. قال: فدُعِيَ عمرُ فَقُرِئَتْ عليه، فقال: اللهم بَيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شافيًا، قال: فنزَلت الآيةُ التي في المائدةِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ﴾ إلى قولِه: ﴿فَهَلْ