للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصرِ محمدٍ هو القرآنُ لا محمدٌ، لأن محمدًا صلواتُ اللهِ عليه رسولٌ مُرْسَلٌ لا تَنْزِيلٌ مُنْزَلٌ، والمُنْزَلُ هو الكتابُ، ثم نهاهم أن يكونوا أولَ مَن يَكْفُرُ بالذى أمَرهم بالإيمانِ به في أولِ الآيةِ -مِن أهلِ الكتابِ، فذلك هو الظاهرُ المفهومُ، ولم يَجْرِ لمحمدٍ في هذه الآيةِ ذكرٌ ظاهرٌ فيُعادَ عليه بذكرِه مَكْنِيًّا في قولِه: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾. وإن كان غيرَ مُحالٍ في الكلامِ أن يُذكَرَ مَكْنِىُّ اسمٍ لم يَجْرِ له ذكرٌ ظاهرٌ في الكلامِ.

وكذلك لا معنى لقولِ مَن زعَم أن العائدَ مِن الذِّكْرِ في ﴿بِهِ﴾ على "ما" التي في قوله: ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾. لأن ذلك وإن كان مُحْتَمِلًا ظاهرَ الكلامِ، فإنه بعيدٌ مما يَدُلُّ عليه ظاهرُ التِّلاوةِ والتنزيلِ؛ لما وصَفْنا قبلُ مِن أن الأمرَ (١) بالإيمانِ به في أولِ الآيةِ هو القرآنُ، فكذلك الواجب أن يكونَ النهىُ عن الكفرِ به في آخرِها هو القرآنَ. فأما أن يكونَ المأمورُ بالإيمانِ به غيرَ المنهىِّ عن الكفرِ به في كلامٍ واحدٍ وآيةٍ واحدةٍ، فذلك غيرُ الأشهرِ الأظهرِ في الكلامِ، هذا مع بُعْدِ معناه في التأويلِ.

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾: وعندَكم فيه مِن العلمِ ما ليس عندَ غيرِكم (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.

اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك، فحدَّثنى المُثَنَّى، قال: حدَّثنا آدمُ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.


(١) فى م: "المأمور".
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٤، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٩٧ (٤٤٦) من طريق سلمة به.