للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِرْبَدًا (١) له، فأَرْسَل إلى فتيانٍ قد قرَءوا القرآنَ، منهم ابنُ عباسٍ وابنُ أخي عُيَيْنَةَ. قال: فيَأْتُون فيَقْرَءون القرآنَ وَيَتدارَسونه، فإذا كانت القائلةُ انْصَرف. قال: فمرُّوا بهذه الآيةِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. قال ابنُ زيدٍ: وهؤلاء المجاهدون في سبيلِ اللَّهِ. فقال ابنُ عباسٍ لبعضِ مَن كان إلى جنبِه: اقْتَتَل الرجلان. فسمِع عمرُ ما قال، فقال: وأيَّ شيءٍ قلتَ؟ قال: لا شيءَ يا أميرَ المؤمنين. قال: ماذا قلتَ: اقْتَتل الرجلان؟ قال: فلمَّا رأَى ذلك ابنُ عباس قال: أَرَى ههنا مَن إذا أُمِر بتقوى اللَّهِ أخَذتْه العِزَّةُ بالإثمِ، وأَرَى مَن يَشْرِي نفسَه ابتغاءَ مرضاةِ اللَّهِ، يَقومُ هذا فَيأْمُرُ هذا بتقوى اللَّهِ، فإذا لم يَقْبَلْ وأخَذتْه العزَّةُ بالإثمِ، قال هذا: وأنا أَشْرِي نفسي. فقاتَلَه، فاقْتَتَل الرجلان. فقال عمرُ: للَّهِ تِلادُك (٢) يابنَ عباسٍ (٣).

وقال آخَرون: بل عنَى بها الأخنسَ بنَ شَرِيقٍ، وقد ذكَرْنا مَن قال ذلك فيما مضَى.

وأمَّا قولُه: ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾، فإنه يعني به: لبِئسَ الفِراشُ والوِطاءُ جهنَمُّ التي أَوْعَدها جلَّ ثناؤُه هذا المنافقَ، ووطَّأها لنفسِه بنفاقِه وفجورِه وتمرُّدِه على ربِّه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾.

يعني جلَّ ثناؤُه بذلك: ومِن الناسِ مَن يبيعُ نفسَه بما وعَد اللَّهُ المجاهدين في


(١) المربد: كالحجرة في الدار. اللسان (ر ب د).
(٢) في ت ٢: "بلادك".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٢٤١ إلى المصنف.