للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: أَمْلَى اللَّهُ لهؤلاء المنافقين وترَكهم، والشيطانُ سوَّل لهم، فلم يُوفِّقْهم للهدَى من أجلِ أنهم قالوا للذين كرِهوا ما نزَّل اللَّهُ مِن الأمرِ بقتالِ أهلِ الشركِ به من المنافقين: سنُطِيعُكم في بعضِ الأمرِ الذي هو خلافٌ لأمرِ اللَّهِ وأمرِ رسولِه .

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾: فهؤلاء المنافقون (١).

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واللَّهُ يعلَمُ إسرارَ هذين الحزبَين المتظاهِرَين من أهلِ النفاقِ على خلافِ أَمرِ اللَّهِ وأمرِ رسولِه، إذ يَتَسَارُّون فيما بينَهم بالكفرِ باللَّهِ ومعصيةِ الرسولِ، ولا يَخْفَى عليه ذلك ولا غيرُه من الأمورِ كلِّها.

واختلَفتِ القرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرَأةِ المدينةِ والبصرةِ: (أَسْرَارَهُمْ) بفتحِ الألفِ من: (أسْرارَهم) (٢) على وجهِ جماعِ "سرٍّ". وقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ الكوفةِ: ﴿إِسْرَارَهُمْ﴾ بكسرِ الألفِ (٣)، على أنه مصدرٌ من: أَسرَرتُ إسرارًا.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أنهما قراءتان مَعروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

القولِ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ


(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢٢٤ عن معمر، عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٦٦ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) وهى قراءة عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائى. التيسير ص ١٦٣.
(٣) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبى بكر. المصدر السابق.