للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يُقالَ: إن الله أخبرَ أنه أنزَل من المعصِراتِ - وهى التي قد تحلَّبت بالماءِ من السحابِ - ماءً.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن القولَ في ذلك على أحد الأقوالِ الثلاثةِ التي ذكَرْتُ، والرياحُ لا ماءَ فيها فيَنْزِلَ منها، وإنما يَنْزِلُ بها، وكان يَصِحُّ أن تكونَ الرياحَ (١) لو كانت القراءةُ: (وأنزلنا بالمعصِراتِ). فلما كانت القراءةُ: ﴿مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ عُلِم أن المعنيَّ بذلك ما وصَفتُ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن "الباءَ" قد تَعْقُبُ في مثلِ هذا الموضعِ "مِن". قيلَ: ذلك وإن كان كذلك، فالأغلبُ من معنى "مِن" غيرُ ذلك، والتأويلُ على الأغلبِ من معنى الكلامِ. فإن قال: فإن السماءَ قد يجوزُ أن تكونَ مرادًا بها. قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإن الأغلبَ من نزولِ الغيثِ من السحابِ دونَ غيرِه.

وأما قولُه: ﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾. يقولُ: مَاءً مُنْصَبًا يَتْبَعُ بعضُه بعضًا. كتَجِّ دماءِ البُدْنِ، وذلك سفكُها.

وبنحو الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ: ﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾. قال: مُنْصَبًّا (٢).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن


= إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(١) بعده في م: "و".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم - كما في الإتقان ٢/ ٥٢ - من طريق أبي صالح به.