منهم من ساكِنى مكةَ، كان قد نقَض العهدَ، وحُورِب قبلَ نزولِ هذه الآياتِ.
وأما قولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾. فإن معناه: إن الله يُحِبُّ مَن اتَّقَى الله وراقَبه في أداءِ فَرائضِه والوفاءِ بعهدِه لمَن عاهَده، واجْتِنابِ مَعاصِيه، وتَرْكِ الغَدْرِ بعهودِه لمَن عاهَده.
يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: كيف يكونُ لهؤلاء المشركين الذين نقَضُوا عهدَهم، أو لمَن لا عهدَ له منهم منكم، أيُّها المؤمنون عهدٌ وذِمَّةٌ، وهم ﴿إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يَغْلِبُوكم، ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾.
واكْتُفِى بـ "كيف" دليلًا على معنى الكلامِ؛ لتقدُّمِ ما يرادُ مِن المعنى بها قبلَها. وكذلك تَفْعَلُ العربُ، إذا أعادَت الحرفَ بعدَ مُضِيِّ معناه، استَجازوا حَذْفَ الفعلِ، كما قال الشاعرُ (١):
وَخَبَّرْتُمانى أنما الموتُ في القُرَى … فيكفَ وهَذِى هَضْبَةٌ وكَثيبُ
فحَذَف الفعلَ بعدَ "كيف" لِتَقدُّمِ ما يرادُ بعدَها قبلَها. ومعنى الكلامِ: فكيف يكونُ الموتُ في القُرَى، وهذى هَضْبةٌ وكَثيبٌ، لا يَنْجُو فيهما منه أحدٌ؟
واختَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾؛ فقال بعضُهم: معناه: لا يَرْقُبوا الله فيكم ولا عهدًا.
(١) هو كعب بن سعد الغنوى، كما في معاني القرآن للفراء ١/ ٤٢٤، والبيت في الاختيارين للأخفش ص ٧٥٨، والأصمعيات ص ٩٧، وجمهرة أشعار العرب ٢/ ٧٠٩، باختلاف في الألفاظ.