للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْتَهَى دون ذلك، فمصيبٌ.

وقد قرَأ ذلك عبدُ اللهِ بنُ أبي إسحاقَ البصريُّ: (وأَنْ). بفتحِ الألفِ مِن "أن" وتخفيفِ النونِ منها (١)، بمعنى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ - (وأنْ هذا صراطى). فخَفَّفَها، إذ كانت "أن" في قولِه: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ مخففةً، وكانت "أن" مِن قولِه: (وأنْ هذا صِراطى). معطوفةً عليها، فجعَلها نظيرةَ ما عُطِفَتْ عليه. وذلك وإن كان مذهبًا، فلا أُحِبُّ القراءةَ به؛ لشُذوذِها عن قراءةِ (٢) قَرَأَةِ الأمصارِ، وخلافِ ما هم عليه في أمصارِهم (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.

يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾: ثم قلْ بعدَ ذلك يا محمدُ: آتى ربُّك موسى الكتابَ. فترَك ذِكْرَ "قل" إذ كان قد تقَدَّم في أولِ القصةِ ما يَدُلُّ على أنه مرادٌ فيها، ذلك قولُه: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾. فقص ما حرَّم عليهم وأحَلَّ، ثم قال: ثم قل: ﴿آتَيْنَا مُوسَى﴾. فحذَف "قل" لدَلالةِ قولِه: ﴿قُلْ﴾. عليه، وأنه مرادٌ في الكلامِ.

وإنما قلنا: ذلك مرادٌ في الكلامِ؛ لأن محمدًا لا شكَّ أنه بُعِث بعدَ موسى بدهرٍ طويلٍ، وأنه إنما أُمِر بتِلاوةِ هذه الآياتِ على مَن أُمِر بتلاوتِها عليه بعدَ مَبْعَثِه، ومعلومٌ أن موسى أُوتى الكتابَ مِن قبلِ أمْرِ اللهِ محمدًا بتلاوةِ هذه الآياتِ على مَن أُمِر بتلاوتِها عليه، و "ثُمَّ" في كلامِ العربِ حرفٌ يَدُلُّ على أن ما بعدَه مِن الكلامِ


(١) ينظر البحر المحيط ٤/ ٢٥٣. وهى قراءة ابن عامر من السبعة، ويعقوب من العشرة. النشر ص ٢٠٠.
(٢) سقط من: ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٣) القراءة بذلك ليست شاذة، بل متواترة كما خرجناها.