للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾.

يَعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: اللَّهُ الذي يُصَوِّرُكم فيَجعلُكم صُوَرًا أَشْبَاحًا في أرحامِ أمّهاتِكم كيف شاء وأحبَّ، فيَجعلُ هذا ذكَرًا وهذا أنثَى، وهذا أسودَ وهذا أحمرَ. يُعرِّفُ عبادَه بذلك أن جميعَ منَ اشتملَتْ عليه أرحامُ النساءِ فممن (١) صَوَّره وخَلَقه كيف شاء، وأن عيسى ابنَ مريمَ ممن صَوَّره في رَحِمِ أمِّه، وخلَقه فيها كيف شاء وأحبَّ، وأنه لو كان إلهًا لم يكنْ ممن اشتملَتْ عليه رَحِمُ أُمَّه؛ لأَنَّ خَلاقَ ما في الأرحامِ لا تكونُ الأرحامُ عليه مشتمِلةً، وإنما تشتمِلُ على المخلوقِين.

كما حدَّثني ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقِ، عن محمدِ بن جعفر بن الزُّبيرِ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾: قد كان عيسى ممن صُوِّر في الأرحامِ، لا يدفَعون ذلك ولا يُنكِرونه، كما صُوِّر غيرُه من بنى آدمَ، فكيف يكونُ إلهًا وقد كان بذلك المنزِلِ (٢).

حدَّثنا المثنّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرَّبيعِ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾. أي: أَنَّه صوَّر عيسى في الرَّحِيمِ كيف شاءَ (٣).

وقال آخرون في ذلك ما حدَّثنا به موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ عن السُّديِّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ، وعن مُرَّةَ الهَمْدانيِّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحابِ النبيِّ قولَه: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾. قال: إذا وقَعت النطفةُ في


(١) في م: "ممن".
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٦.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٩٠ (٣١٥٧) من طريق ابن أبي جعفر به.