للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أن الخبرَ في الآياتِ قبلَها عنهم مضَى، وفي التي بعدَها عنهم ذُكِر، [فما بينَها] (١) بأن يَكونَ خبرًا عنهم أولى وأحقُّ مِن أن يكونَ خبرًا عن غيرِهم.

فتأويلُ الكلامِ إذ كان ذلك كذلك: فإن يَكْفُرْ (٢) قومُكَ مِن قريشٍ يا محمدُ بآياتِنا، وكذَّبوا وجحَدوا حقيقتَها، فقد اسْتَحْفَظْناها واسْتَرْعَيْنا القيامَ بها رسلَنا وأنبياءَنا مِن قبلِك، الذين لا يَجْحَدون حقيقتَها، ولا يُكَذِّبون بها، ولكنهم يُصَدِّقون بها ويُؤْمِنون بصحتها.

وقد قال بعضُهم: معنى قولِه: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا﴾. رَزَقْناها قومًا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿أُولَئِكَ﴾: هؤلاء القومُ الذين وكَّلْنا بآياتِنا وليسوا بها بكافرين، هم الذين هداهم اللهُ لدينِه الحقِّ، وحفظِ ما وُكِّلوا بحفظِه مِن آياتِ كتابِه، والقيامِ بحدودِه، واتباعِ حلالِه وحرامِه، والعملِ بما فيه مِن أمرِ اللهِ، والانتهاءِ عما فيه مِن نهيه، فوفَّقَهم جلَّ ثناؤُه لذلك، ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فبالعمل الذي عمِلوا، والمنهاجِ الذي سلَكوا، وبالهدى الذي هدَيْناهم، والتوفيق الذي وفَّقْناهم، ﴿اقْتَدِهْ﴾ يا محمدُ، أي: فاعْمَلْ وخُذْ به واسْلُكْه، فإنه عملٌ للهِ فيه رضًا، ومِنْهاجٌ مَن سلَكَه اهْتَدَى.

وهذا التأويلُ على مذهبِ مَن تأَوَّل قولَه: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ أنهم الأنبياءُ المُسَمَّوْن في الآياتِ المتقدمةِ، وهو القولُ الذي اخْتَرْناه في تأويلِ ذلك.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "فيما بينهم"، وفي م: "ففيما بينها". والصواب ما أثبتناه.
(٢) بعده في ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "بها".