للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك بعضُ المكيِّين وبعضُ الكوفيِّين: (وَسَيُصْلَوْنَ سَعِيرًا). بضمِّ الياءِ (١)، بمعنى: يُحْرَقُون. مِن قولِهم: شاةٌ مَصْلِيَّةٌ. يعنى: مشويةٌ.

قال أبو جعفرٍ: والفتحُ بذلك أَوْلَى مِن الضمِّ؛ لإجماعِ جميعِ القَرَأَةِ على فتحِ الياءِ مِن قولِه: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ [الليل: ١٥]. ولدلالةِ قولِه: ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ١٦٣] علَى أن الفتحَ بها أولى من الضمِّ.

وأما السعيرُ، فإنه شدَّةُ حرِّ جهنَّمَ، ومنه قيل: اسْتَعرت الحربُ: إذا اشتدَّتْ. وإنما هو "مسعور"، ثم صُرِف إلى "سَعِير"، كما (٢) قيل: كفٌّ خَضِيبٌ، ولحيةٌ دَهِينٌ. وإنما هي مخضوبةٌ صُرِفت إلى "فَعِيل".

فتأويلُ الكلامِ إذن: وسَيَصْلَوْن نارًا مُسْعَرَةً، أي: موقودةً مُشْعَلةٌ، شديدًا حرُّها.

وإنما قلنا: إن ذلك كذلك؛ لأن اللَّهِ جلَّ ثناؤُه قال: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ [التكوير: ١٢]. فوصَفها بأنها مسعورةٌ.

ثم أخْبَر جلَّ ثناؤُه أن أكَلَةَ أموالِ اليتامى يَصْلونها وهي كذلك، فالسعيرُ إذن في هذا الموضعِ صفةٌ للجحيمِ على ما وصَفنا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾.

يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾: يَعْهَدُ اللَّهِ إليكم ﴿فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾. يقولُ يَعْهَدُ إليكم ربُّكم إذا مات الميِّتُ منكم،


(١) هي قراءة ابن عامر، وأبي بكر عن عاصم. حجة القراءات ص ١٩١.
(٢) سقط من: م.