بَلَغهم ذلك قالوا: ونحن واللهِ لا نطلقُ أنفسَنا حتى يكونَ اللهُ الذي يُطلِقُنا. فأنزل اللهُ ﷿: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾. و"عسى" من اللهِ واجبٌ، فلما نَزَلت، أرسلَ إليهم النبيُّ ﷺ فأطلقهم وعَذَرَهم (١).
وقال آخرون: بل كانوا ستةً، أحدُهم أبو لُبابةَ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وذلك أن رسولَ الله ﷺ غَزا غزوةَ تبوكَ، فتَخلَّف أبو لُبابةَ وخمسةٌ معه عن النبيِّ ﷺ، ثم إنّ أبا لُبابةَ ورَجلَين معه تَفَكَّروا ونَدِموا وأيقَنوا بالهلَكةِ، وقالوا: نكونُ في الكِنِّ والطمأنينةِ مع النساءِ، ورسولُ اللهِ والمؤمنون معه في الجهادِ، واللهِ لنُوثِقَنَّ أنفسَنا بالسَّوارى، فلا نطلقُها حتى يكونَ رسولُ اللهِ ﷺ هو يُطلِقُنا ويَعْذِرُنا. فانطلَقَ أبو لُبابةَ فأوثَقَ نفسَه ورجلان معه بسَوارى المسجدِ، وبَقِىَ ثلاثةُ نفرٍ لم يُوثِقوا أنفسَهم، فرَجَع رسولُ اللهِ ﷺ من غزوتِه، وكان طريقُه في المسجدِ، فمرَّ عليهم فقال:"من هؤلاء المُوثِقو أنفسِهم بالسَّوارِى؟ ". فقالوا: هذا أبو لُبابةَ وأصحابٌ له؛ تخلَّفوا عن رسولِ اللهِ، ﷺ فعاهدوا الله ألّا يُطلِقوا أنفسَهم حتى تكون أنت الذي تُطلِقُهم وترضَى عنهم، وقد اعترَفوا بذنوبِهم. فقال رسولُ اللهِ ﷺ: "والله لا أُطلِقُهم حتى أُومَرَ
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٨٧٢، ١٨٧٤ مفرقا، وابن مردويه - كما في تخريج أحاديث الكشاف ٢/ ٩٨ - و البيهقي في الدلائل ٥/ ٢٧١ من طريق أبي صالح به. وعزاه السيوطي مطولًا في الدر المنثور ٣/ ٢٧٢ إلى ابن المنذر. وستأتى تتمته في ص ٦٥٩، ٦٦٢، ٦٦٧، ٦٦٩.