للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذُكر عن بعضِهم أنه قرَأه: (أوْ أثْرَةٍ) بسكونِ الثاءِ (١)، مثلَ الرَّجْفَةِ والخَطْفةِ، وإذا وُجِّه ذلك إلى ما قلنا فيه مِن أنه بقيةٌ من علمٍ، جاز أن تكونَ تلك البقيةُ من علمِ الخطِّ، ومن علمٍ اسْتُثِير مِن كُتُبِ الأوَّلين، ومن خاصة علمٍ كانوا أُوثِروا به.

وقد رُوى عن رسولِ اللهِ في ذلك خبرٌ بأنه تأوَّله أنه بمعنى الخطِّ، سنذكُرُه إن شاء اللهُ تعالى. فتأويلُ الكلامِ إذن: ائْتُونى أيُّها القومُ بكتابٍ مِن قبلِ هذا الكتابِ، بتحقيقِ ما سألتُكم تحقيقَه مِن الحُجَّةِ على دَعْواكم ما تدَّعون لآلهتِكم، أو ببقيةٍ من علمٍ يُوصَلُ بها إلى علمِ صحةِ ما تقولون مِن ذلك، ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في دَعْواكم لها ما تَدَّعون، فإن الدَّعْوى إذا لم يَكُنْ معها حُجَّةٌ لم تُغْنِ عن المُدَّعِى شيئًا.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وأيُّ عبدٍ أَضَلُّ مِن عبدٍ يَدْعو مِن دونِ اللهِ آلهةً، ﴿لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. يقولُ: لا يُجِيبُ دعاءَه أبدًا؛ لأنها حَجَرٌ أَو خَشَبٌ أو نحوُ ذلك.

وقولُه: ﴿وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وآلهتُهم التي يَدْعونهم عن دُعائِهم إياهم في غفلةٍ؛ لأنها لا تسمعُ ولا تنطقُ، ولا تعقلُ. وإنما عنَى بوصفِها بالغفلةِ، تمثيلَها بالإنسانِ السَّاهِي عما يقالُ له، إذ كانت لا تفهمُ مما يقالُ لها شيئًا، كما لا يفهمُ الغافلُ عن الشيءِ ما غفَل عنه. وإنما هذا توبيخٌ مِن اللهِ لهؤلاء المشركين لسُوءِ رأيِهم، وقُبْحِ اختيارِهم في عبادتِهم من لا يعقلُ شيئًا ولا يفهمُ،


(١) وبها قرأ عليّ وأبو عبد الرحمن السلمي وقتادة. وهي قراءة شاذة. مختصر الشواذ لابن خالويه ص ١٤٠، والمحتسب ٢/ ٢٦٤.