للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِعْرَاضًا﴾ الآية. نَزَلتْ في أَمْرِ رافعِ بن خَدِيجٍ وزوجتِه، إذ تَزَوَّج عليها شابَّةً، فآثَر الشابةَ عليها، فأَبَتِ الكبيرةُ أن تقِرَّ على الأثَرَةِ، فَطَلَّقها تَطْليقةً وترَكها، فلَمَّا قارَب انْقِضاءُ عِدَّتِها، خَيَّرها بينَ الفِراقِ والرَّجْعةِ والصبرِ على الأَثَرَةِ، فاخْتارَت الرَّجْعةَ والصبرَ على الأَثَرةِ، فراجَعها وآثَر عليها، فلم تَصْبِرْ، فطَلَّقَها (١). ففى ذلك دليلٌ واضحٌ على أن قولَه: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾. إنما عنَى به: وأُحْضِرت أنْفُسُ النساءِ الشحَّ بحقوقِهنَّ مِن أزواجِهنَّ. على ما وَصَفْنا.

وأما قولُه: ﴿وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا﴾. فإنه يَعْنى: وإن تُحْسِنوا أيها الرجالُ، في أفعالِكم إلى نسائِكم، إذا كَرِهتم منهن دَمامةً أو خُلُقًا، أو بعضَ ما تَكْرَهون منهن، بالصبرِ عليهن، وإيفائِهِنَّ حُقُوقَهنَّ وعِشْرَتِهِنَّ بالمعروفِ، ﴿وَتَتَّقُوا﴾. يقول: وتَتَّقُوا الله فيهن، بتَرْكِ الجَوْرِ منكم عليهن فيما يَجِبُ لمَن كَرِهْتُموه منهن عليكم، مِن القِسْمةِ له والنفقةِ والعِشْرةِ بالمعروفِ، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾. يقولُ: فإن الله كان بما تعملون في أمورِ نسائِكم، أيها الرجالُ، مِن الإحسانِ إليهن والعِشْرةِ بالمعروفِ، والجَوْرِ عليهن فيما يَلْزَمُكم لهن ويَجِبُ، ﴿خَبِيرًا﴾. يَعْنِى عالمًا [خابرًا، لا يَخْفَى عليه منه شيءٌ، بل هو به عالمٌ، وله مُحْصٍ عليكم، حتى يُوَفِّيَكم جزاءَ] (٢) ذلك (٣)، المُحْسنَ منكم بإحسانِه، والمُسِيءَ بإساءتِه.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾.

قال أبو جعفرٍ : يعنى جل ثناؤُه بقولِه: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا


(١) تقدم تخريجه في ص ٥٥٧.
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) بعده في الأصل: "منكم".