للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمانِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه: فأولئك يَدْخُلون الجنةَ (١) ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾.

وقولُه: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ نُصِبَ ترجمةً عن الجنةِ. ويعنى بقولِه:

﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾. بساتينَ إقامَةٍ. وقد بيَّنتُ ذلك فيما مضَى قبلُ بشواهدِه المُغْنيةِ عن إعادتِه (٢).

وقولُه: ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾. يقولُ: هذه الجناتُ هي الجناتُ التي وعَد الرحمنُ عبادَه المؤمنين أن يدخُلُوها بالغَيْبِ؛ لأَنَّهم لم يَرَوْها ولم يُعاينوها، فهى غيبٌ لهم.

وقولُه: ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾. يقولُ تعالى ذِكْرُه: إن الله كان وَعَدَه، ووَعْدُه في هذا الموضِعِ مَوْعودُه، وهو الجنةُ، ﴿مَأْتِيًّا﴾ يَأْتِيهِ أولياؤُه وأهلُ طاعتِه الذين يُدْخِلُهمُوها اللهُ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ (٣): خرَج الخبرُ على أن الوعدَ هو المأتيُّ، ومعناه: أنه هو الذي يأتى، ولم يَقُلْ: وكان وَعْدُه آتِيًا. لأنَّ كلَّ ما أتاك فأنتَ تأتيه، وقال: ألا تَرَى أنَّك تقولُ: أتَيْتُ على خمسين سنةً، وأتَتْ عليَّ خمسون سنةً. وكلُّ ذلك صوابٌ. وقد بيَّنتُ القولَ فيه.


(١) بعده في الأصل: "ولا يظلمون".
(٢) تقدم في ١١/ ٥٥٩ وما بعدها.
(٣) الفراء في معاني القرآن ٢/ ١٧٠.