للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥)﴾.

وهذا خبرٌ من اللهِ جلَّ وعزَّ عن قيلِ (١) موسى حينَ قال له قومُه ما قالوا من قولِهم: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾. أنه قال عندَ ذلك، وغضِب من قيلِهم، لهم داعيًا: يا ربِّ: ﴿إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾. يعنى بذلك: لا أقدِرُ على أحدٍ أن أَحْمِلَه على ما أُحبُّ وأُريدُ من طاعتِك، واتباعِ أمرِك ونهيِك، إلا على نفسى، وعلى أخى. من قولِ القائلِ: ما أملِكُ من الأمرِ شيئًا إلا كذا وكذا. بمعنى: لا أقدِرُ على شيءٍ غيرِه.

ويعنى بقولِه: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾: افْصِلْ بينَنا وبينَهم بقضاءٍ منك تقضيه فينا وفيهم، فتُبْعِدَهم منا. من قولِ القائلِ: فرَقْتُ بينَ هَذين الشيئين. بمعنى: فصَلتُ بينَهما. من قول الراجزِ (٢):

يا ربِّ فافْرُقْ (٣) بينَهُ وبَيْني

أشدَّ ما فرَقْتَ بين اثنينِ

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن


(١) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قوم".
(٢) مجاز القرآن ١/ ١٦٠ والمؤتلف والمختلف للآمدي ص ١٣٥ غير منسوب فيهما.
(٣) في ص، ت ٢ "فارِقْ"، وفي ت ١: "فرق".