للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾. يقولُ: وهذا مِلْحٌ مُرٌّ.

يَعْنِي بالعذبِ الفُراتِ مياهَ الأنهارِ والأمطارِ، وبالمِلْحِ الأُجاجِ مياهَ البحارِ.

وإِنَّما عَنَى بذلك أنَّه من نِعْمَتِه على خَلْقِه، وعظيمِ سلطانِه، يَخلِطُ ماءَ البحرِ العَذْبَ بماءِ البحرِ المِلْحِ الأُجاجِ، ثم يَمْنَعُ المِلْحَ من تغييرِ العَذْبِ عن عذوبتِه، وإفسادِه إيَّاه، بقضائِه وقدرتِه، لئلَّا يَضرَّ إفسادُه إِيَّاه برُكبانِ الملحِ منهما، فلا يجِدوا ماءً يشرَبونه عندَ حاجتِهم إلى الماءِ، فقال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾. يعني: حاجزًا يمنعُ كُلَّ واحدٍ منهما من إفسادِ الآخرِ، ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾. يقولُ: وجعَل كُلَّ واحدٍ منهما حرامًا محرَّمًا على صاحبِه أن يُغَيِّرَه ويُفْسِدَه.

وبنحوِ الذي قلْنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾. يعنى أنَّه خلَع أحدَهما على الآخرِ، فليسَ يُفْسِدُ العَذْبُ المالحَ، وليسَ يُفْسِدُ المالحُ العَذْبَ. وقولَه: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾. قال: البرزخُ الأرضُ بينَهما. ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ يعني: حجَر أحدَهما على الآخرِ بأمرِه وقضائِه، وهو مثلُ قولِه: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾ (١) [النمل: ٦١].

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٧٤ إلى المصنف إلى قوله: المالح العذب. وقوله: حجر أحدهما … أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٧٠٩ عن محمد بن سعد به.