للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والكوفةِ ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾. على التوجيهِ منهم له إلى أنَّه "لافْتَعَلْتَ" من الأخْذِ (١).

وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ البصرةِ: (لو شِئْتَ لَتَخِذْتَ). بتخفيفِ التاءِ وكسرِ

الخاءِ (٢)، وأصلُه "لافْتَعلتَ"، غير أنَّهم جعَلوا التاءَ كأنَّها من أصلِ الكلمةِ،

وكأنَّ (٣) الكلام عندهم في "فَعِل" و "يَفْعَلُ" من ذلك: تخِذ فلانٌ كذا يَتْخَذُ من تَخَذًا. وهى لغةٌ فيما ذُكِر لهُذَيلٍ، وقال بعضُ الشعراءِ (٤):

وقد تَخِذَتْ رِجْلى لَدَى جَنْبِ غَرْزِها … نَسِيفًا (٥) كأُفْحُوصِ القَطاةِ (٦) المُطَرْقِ (٧)

والصوابُ من القولِ فى ذلك عندى أنهما لُغَتان مَعْروفَتان من لغاتِ العربِ بمعنًى واحدٍ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ، غير أنِّى أختارُ قرَاءتَه بتشديدِ التاءِ على "لافْتَعَلتَ"؛ لأنَّها أفصحُ اللُّغَتَين وأشهرُهما، وأكثرُهما على ألْسُنِ العربِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨)﴾.


(١) وهى قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي، مع إدغام الذال فى التاء، وروى حفص عن عاصم بغير إدغام. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٣٩٦.
(٢) وهى قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وكان أبو عمرو يدغم، وابن كثير يظهر الذال. المصدر السابق.
(٣) في ص، م، ت ١، ف: "لأن".
(٤) هو الممزق العبدى، والبيت فى مجاز القرآن ١/ ٤١١، والأصمعيات ص ١٦٥، والجمهرة ٢/ ٦، ١٦٣، ٣٧٢، ٣/ ٣٩.
(٥) النسيف: موضع أثر رجل الراكب من الرحل. الجمهرة ٣/ ٣٩.
(٦) أفحوص القطاة: الموضع الذى تبيض فيه. مجاز القرآن ١/ ٤١٢.
(٧) المطرق، من: طرقت القطاة تطريقا: إذا عسر عليها بيضها ففحصت الأرض بجؤجؤها -صدرها- ينظر الجمهرة ٢/ ٣٧٢. والمطرَّق: المعدَّل، يقال: طرّق. إذا عدل. شرح الشواهد للعينى ٤/ ٥٩٠.