للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقدمة التحقيق]

﴿الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا (١) قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا (٢) ماكثين فيه أبدا﴾ (١)، أحمده حمد مقر بعظيم إنعامه، وفيض جوده وإحسانه، فله الحمد والثناء كله. جل عن الشبيه والنظير، فلا تحيط به الأفهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يغيره الملوان (٢)، ولا ينهض لمحاكاة بيانه بيان، كلماته لا تنفد، ولا ينكر حجته على خلقه إلا من كفر وألحد. أنزل القرآن تبيانا، وجعله للناس إماما، فمن اتبعه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره زجه في النار، تحدى الله به الفصحاء فألجموا، وسمعه البلغاء فأفحموا، لم يملك الأعداء إذ سمعوه إلا أن شهدوا له بالحلاوة، ولروعة بيانه بالطلاوة، ومباينته للشعر والكهانة، لا يمكن لبشر أن يأتي من مثله بآية، ولو بذل في سبيل ذلك كل غاية، فلا يضل هداه إلا من ختم الله على قلبه وسمعه، وجعل الغشاوة على بصره، فهو للقلوب شفاء، وللأبصار ضياء، وللظمآن رواء، فسبحان من أحكم آياته، وفصل أحكامه، وجعله لكتبه خاتما، وعليها مهيمنا، ولعباده هاديا، ويسر لهم حفظه، وأعانهم على فهمه، فحفظوه في صدورهم قبل صحائفهم، وعملوا بأحكامه في كل نوازلهم، فملأت حلاوته منهم القلوب، واقشعرت لجلالته منهم الجلود، فلا تزال بيوتهم بتلاوته مدوية، وأخلاقهم لنور هدايته محاكية، حتى نالوا من الله الرضوان، وشملهم بالرحمة والغفران، وبشرهم بنعيم الجنان.


(١) سورة الكهف: الآيات من ١ - ٣.
(٢) الملوان: الليل والنهار.

ج: ص:  >  >>