كما حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا﴾. يعنى: ما أحلَّ الله لهم من الطعام.
وأما قولُه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾. فإنه يقولُ: وخافوا أيها المؤمنون أن تعتدوا في حدودِه، فتُحلُّوا ما حرَّم عليكم، أو تُحرِّموا ما حلَّل لكم، واحذروه في ذلك أن تخالفوه، فينزِلَ بكم سَخَطُه، أو تستوجبوا به عقوبته، ﴿الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾. يقولُ: الذي أنتم بوحدانيته مقرُّون، وبربوبيَّتِه مُصَدِّقون.
يقول تعالى ذكرُه للذين كانوا حرَّموا على أنفسهم الطيبات من أصحاب رسول الله ﷺ، وكانوا حرَّموا ذلك بأيمانٍ حلفوا بها، فنهاهم عن تحريمها، وقال لهم: لا يُؤاخذكم ربُّكم باللغو في أيمانكم.
كما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: لما نزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾. في القومِ الذين كانوا حرَّموا النساء واللحم على أنفسهم، قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف نصنعُ بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأَنزَل اللَّهُ تعالى ذكرُه: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ الآية (١).
فهذا يدلُّ على ما قلنا من أن القومَ كانوا حرَّموا ما حرَّموا على أنفسهم بأيمانٍ حلَفوا بها، فنزلت هذه الآيةُ بسببهم.