للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يقولُ: إن اللَّهَ عَزَّ ذكرُه ساتِرٌ على مَن تاب وأَناب عن معاصيه إلى طاعتِه ذنوبَه، بالعفوِ عن عقوبتِه عليها يومَ القيامةِ، وتركِه فضيحتَه بها على رءوسِ الأشهادِ، رحيمٌ به وبعبادِه التائبين إليه مِن ذنوبِهم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)﴾.

يقولُ جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ : أَلم يعلمْ (١) هؤلاءِ القائلون (٢): ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠]. الزَّاعمون (٣) أنهم أبناءُ اللَّهِ وأحباؤُه - أن اللَّهَ مُدَبِّرُ ما في السماواتِ وما في الأرضِ، ومُصَرِّفُه وخالقُه، لا يَمْتَنِعُ شيءٌ مما في واحدةٍ منهما مما أَرادَه؛ لأن كلَّ ذلك مُلكُه، وإليه أمرُه، ولا نَسَبَ بينَه وبينَ شيءٍ مما فيهما، ولا مما في واحدةٍ منهما، فيُحَابِيَه بسببِ قرابتِه منه، فَيُنجِيَه مِن عذابِه وهو به كافرٌ، ولأمرِه ونهيِه مخالفٌ، أو يُدخِلَه النارَ وهو له مُطِيعٌ، لبُعدِ قرابتِه منه، ولكنَّه يُعذِّبُ من يشاءُ من خلقِه في الدنيا على معصيتِه بالقتلِ والخسفِ والمَسْخِ، وغيرِ ذلك مِن صنوفِ عذابِه، ويَغْفِرُ لمن يشاءُ منهم في الدنيا بالتوبةِ عليه مِن كفرِه ومعصيتِه، فيُنْقِذُه مِن الهَلَكةِ، ويُنْجِيه مِن العقوبةِ، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾. يقولُ: واللَّهُ على تعذيبِ مَن أراد تعذيبَه مِن خلقِه على معصيتِه، وغُفْرانِ ما أراد غفرانَه منهم باستنْقاذِه مِن الهَلَكةِ بالتوبةِ عليه، وغيرِ ذلك مِن الأمورِ كلِّها قادرٌ؛ لأن الخلْقَ خلقه، والمُلكَ ملكُه، والعبادَ عبادُه.

وخرَج قولُه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. خطابًا له ، والمَعْنِيُّ به مَن ذكَرْتُ مِن فِرَقٍ بنى إسرائيلَ الذين كانوا بمدينةِ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تعلم"، وفى س: "تعلم يا محمد".
(٢) في ص، ت ١، ت ٣، س: "القائلين"، وفى ت ٢: "العالمين".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "الزاعمين".