للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)

يعنى بذلك تعالى ذكرُه: ليس لك يا محمدُ من الأمرِ شيءٌ، وللهِ جميعُ ما بينَ أقطارِ السمواتِ والأرضِ من مَشْرقِ الشمسِ إلى مَغْربِها، دونَك ودونَهم، يحكمُ فيهم بما شاء، ويَقْضى فيهم ما أحَبَّ، فيتوبُ على مَن أحبَّ من خلقِه العاصين أمرَه ونَهْيَه، ثم يغفرُ له، ويعاقِبُ مَن شاء منهم على جُرْمِه، فيَنْتَقِمُ منه، وهو الغفورُ، الذى يسترُ ذنوبَ مَن أحبَّ أن يسترَ عليه ذنوبَه من خلقِه، بتَفَضُّلِه (١) عليهم بالعفوِ والصفحِ، والرحيمُ بهم في تَرْكِه عقوبتَهم عاجِلاً على عظيمِ ما يَأْتون من المآثمِ.

كما حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. أى يغفرُ الذنوبَ، ويرحَمُ العبادَ على ما فيهم (٢).

القولُ في تأويل قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠)﴾.

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: يا أيُّها الذين آمَنوا باللَّهِ ورسولِه، لا تأكُلوا الربا في إسلامِكم، بعدَ إذ هَداكم له، كما كنتم تأكُلونه في جاهليتِكم. وكان أَكْلُهم ذلك في جاهليتِهم، أن الرجلَ منهم كان يكونُ له على الرجلِ مالٌ إلى أجلٍ، فإِذا حَلَّ الأجلُ طَلَبه من صاحبِه، فيقولُ له الذى عليه المالُ: أَخَّرْ عنى دَيْنَكَ، وأَزِيدُك على مالِك. فيفعَلان ذلك، فذلك هو الربا أضعافاً مُضاعفةً، فنَهاهم الله ﷿ في إسلامِهم عنه.


= عن يونس بن عبد الأعلى به. وأخرجه مسلم (٢٩٤/ ٦٧٥)، وابن حبان (١٩٧٢)، والبيهقي ٢/ ١٩٧ من طريق ابن وهب به. وأخرجه أحمد ١٢/ ٤٣١ (٧٤٦٥)، والبخارى ٦/ ٤٧ (٤٥٦٠)، وابن خزيمة (٦١٩)، وأبو عوانة ٢/ ٢٨٠، والطحاوى ١/ ٢٤٢ وغيرهم من طريق الزهرى به.
(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بفضله".
(٢) سيرة ابن هشام ٢/ ١٠٨، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٥٨ (٤١٣٦، ٤١٣٧) من طريق سلمة به.