للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا أحمدُ بنُ حازمٍ، قال: ثنا أبو نُعَيمٍ، قال: ثنا فُضَيلُ بنُ مرزوقٍ، عن عطيةَ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾. قال: العَنَتُ الزنا.

وقال آخرونَ: معنى ذلك، العقوبةُ التي تُعْنِتُه، وهى الحدُّ.

والصوابُ مِن القولِ في قولِه: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾؛ ذلك لمَن خافَ منكم ضَرَرًا في دينِه وبَدَنِه.

وذلك أن العَنَتَ هو ما ضَرَّ الرجلَ، يقالُ منه: قد عَنِتَ فلانٌ فهو يَعْنَتُ عَنَتًا. إذا أَتَى ما يَضُرُّه في دينٍ أو دنيا. ومنه قولُ اللهِ : ﴿وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]. ويقالُ: قد أَعْنَتَنى فلانٌ، فهو يُعْنِتُنى. إذا نالَنى بَمَضَرَّةٍ. وقد قيل: العَنَتُ الهَلاكُ.

فالذين وَجَّهوا تأويلَ ذلك إلى الزنا، قالوا: الزنا ضَرَرٌ في الدينِ، وهو من العَنَتِ. والذين وَجَّهوه إلى الإثمِ، قالوا: الآثامُ كلُّها ضَرَرٌ في الدينِ، وهى من العَنَتِ. والذين وَجَّهوه إلى العقوبةِ التي تُعْنِتُه في بَدنِه من الحدِّ، فإنهم قالوا: الحَدُّ مَضَرَّةٌ على بدنِ المحدودِ في دُنياه، وهو من العَنَتِ.

وقد عَمَّ اللهُ بقولِه: ﴿لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾. جميعَ معاني العَنَتِ، ويجمعُ جميعَ ذلك الزنا؛ لأنه يُوجِبُ العقوبةَ على صاحبِه في الدنيا بما يُعْنِتُ بدنَه، ويَكْتَسِبُ به إثمًا ومَضَرَّةً في دينِه ودُنياه. وقد اتَّفَق أهلُ التأويلِ الذين هم أهلُه، على أن ذلك معناه: فهو وإن كان في عينِه لَذَّةً وقَضاءَ شهوةٍ، فإنه بأدائِه إلى العَنَتِ، منسوبٌ إليه موصوفٌ به، إذْ (١) كان للعَنَتِ سَبَبًا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)﴾.


(١) في م: "أن".