للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالوا: ذلك ابتداءٌ من اللهِ مدْحُهم.

وأولى القراءتين في ذلك بالصوابَ: قراءةُ من قرأ بكسرِ الألفِ؛ لأنَّ قولَه: ﴿جَزَيْتُهُمُ﴾ قد عمِل في الهاءِ والميمِ، والجزاءُ إنما يعملُ في منصوبين، وإذا عمِل (١) في الهاءِ والميمِ، لم يكنْ له العملُ في "أن"، فيصيرِ عاملًا في ثلاثةٍ، إلا أن يُنْوَى به التكريرُ، فيكونَ [نصبُ "أنَّ"] (٢) حينَئذٍ بفعلٍ مضمرٍ، لا بقولِه: ﴿جَزَيْتُهُمُ﴾. وإن هي نُصبت بإضمارِ، لامٍ، لم يكن له أيضًا كبيرُ معنًى؛ لأن جزاءَ اللهِ عبادَه المؤمنين الجنةَ (٣)، إنما هو على ما سَلَفَ من صالحِ أعمالِهم في الدنيا، وجزاؤُه إياهم، وذلك في الآخرةِ هو الفوزُ، فلا معنَى لأَنْ يَشْرُطَ لهم الفوزَ بالأعمالِ، ثم يُخبرَ أنهم إنما فازوا لأنَّهم هم الفائزون.

فتأويلُ الكلامِ إذن - إذ كان الصوابُ من القراءةِ ما ذكرنا -: إنى جزيتُهم اليومَ الجنةَ بما صبَروا في الدنيا على أذاكم بها، في أنَّهم اليومَ هم الفائزون بالنعيمِ الدائمِ، والكرامةِ الباقيةِ أبدًا، بما عمِلوا من صالحاتِ الأعمالِ في الدنيا، ولقُوا في طلبِ رضاىَ من المكارِه فيها.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣)﴾.

اختلفتِ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿قَالَ (٤) كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾.

وفي قولِه: ﴿[قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا] (٥)[المؤمنون: ١١٤]؛ فقرأ ذلك عامةُ قرأةِ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "عملت".
(٢) في ت ١: "نصب"، وفى ت ٢: "النصب".
(٣) في م: "بالجنة".
(٤) سقط من النسخ، ولا بد منها، فهي موضع الاختلاف.
(٥) في النسخ: "لبثنا يوما أو بعض يوم". ولا اختلاف فيها، والمثبت موضع الاختلاف، كما =