للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتخذوهم سخريًّا: اتخذوهم هُزُؤًا، لم يزالوا يَستهزئون بهم (١).

وقولُه: ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾. يقولُ: لم يزلِ استهزاؤُكم بهم حتى (٢) أنساكم ذلك من فعلِكم بهم ذكرى، فأَلْهاكم عنه، ﴿وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾. قال: أنسَى هؤلاءِ الله استهزاؤُهم بهم، وضحكُهم بهم. وقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ حتى بلَغ ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣٢].

وقولُه: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إني، أيُّها المشركون باللهِ، المخلَّدون في النارِ، جَزَيْتُ الذين اتخذتموهم في الدنيا سِخْريَّا من أهلِ الإيمانِ بي، وكنتم منهم تضحَكون، اليومَ بما صبَروا على ما كانوا يلقَون بينكم من أذَى سُخريتكم وضحكِكم منهم في الدنيا، أنهم هم الفائزون.

اختلفت القرأةُ في قراءةِ: ﴿أَنَّهُمْ﴾؛ فقرأتْه عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ أهلِ الكوفةِ: ﴿أَنَّهُمْ﴾ بفتحِ الألفِ من ﴿أَنَّهُمْ﴾ (٣). بمعنى: جزيتُهم هذا. فـ "أنَّ" في قراءةِ هؤلاء في موضعِ نصبٍ بوقوعِ قولِه: ﴿جَزَيْتُهُمُ﴾ عليها؛ لأن معنى الكلامِ عندَهم: إنى جزيتُهم اليومَ الفوزَ بالجنةِ. وقد يحتملُ النصبَ من وجهٍ آخرَ، وهو أَن يكونَ موجَّها معناه إلى: إنى جزيتُهم اليومَ بما صبروا؛ لأنهم هم الفائزون بما صبروا في الدنيا، على ما لَقُوا في ذاتِ اللهِ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ (إنهم) (٤) بكسرِ الألفِ منها (٥)، بمعنى الابتداءِ،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٥١٠ من طريق أصبغ، عن ابن زيد.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٤٤٨.
(٤) في النسخ: "إني".
(٥) هي قراءة حمزة والكسائى. السبعة لابن مجاهد ص ٤٤٩.