للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعُكم وأبصارُكم اليومَ.

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ؛ لأن المعروفَ من معاني الاستتارِ (١) الاستخفاءُ.

فإن قال قائلٌ: وكيف يستخفِى الإنسانُ عن نفسِه بما (٢) يأتى؟ قيل: قد بيَّنا أن معنى ذلك إنما هو ألَّا يأتى الذنبَ (٣)، وفى تركِه إتيانَه إخفاؤُه عن نفسِه.

وقولُه: ﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: ولكن حسِبتم حينَ ركِبتم في الدنيا ما ركِبتم من معاصى اللَّهِ، أَن اللَّهَ لا يعلَمُ كثيرًا مما تعمَلون من أعمالِكم الخبيثةِ؛ فلذلك لم تَسْتَتِروا أن يشهَدَ عليكم سمعُكم وأبصارُكم وجلودُكم، فتتركوا ركوبَ ما حرَّم اللَّهُ عليكم.

وذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلت من أجلِ نفرٍ تَدَارءُوا بينَهم في علمِ اللَّهِ، بما يقولونه ويتكلَّمون به سرًّا.

ذكرُ الخبرِ بذلك

حدَّثني محمدُ بن يحيى القُطَعيُّ، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا قيسٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ الأزديِّ، عن عبدِ اللَّهِ بن مسعودٍ، قال: كنتُ مستتِرًا بأستارِ الكعبةِ، فدخَل ثلاثةُ نفرٍ، ثَقَفِيَّان وقُرشيٌّ، أو قُرَشِيَّان وثَقَفيٌّ، كثيرٌ شحومُ بطونِهما، قليلٌ فقهُ قلوبِهما، فتكلَّموا بكلامٍ لم أفهَمْه، فقال أحدُهم: أتُرَون أن اللَّهَ يسمعُ ما نقولُ؟ فقال الرجلانِ: إذا رفَعنا أصواتَنا سمِع، وإذا لم نرفَعْ أصواتَنا (٤) لم يسمَعْ. فأتَيْتُ رسولَ اللَّهِ ، فذكَرْتُ له ذلك، فنزَلت هذه الآيةُ:


(١) في ت:٢ "الاستار" وفي ت ٣: "الاستغفار".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ٣: "مما".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الأمانى".
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.