للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سِترٌ من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنها ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾. يقولُ: لهم في الجنةِ مَطعمٌ (١) ومشربٌ هَنيٌّ كريمٌ، لا يتغيَّرُ في أجوافِهم فيصيرَ نَجوًا (٢)، ولكنه يصيرُ رَشْحًا كرشحِ المسكِ.

وهذه الآيةُ تُنْبئُ عن صحةِ ما قلنا: إن معنى قول الله: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ في هذه الآيةِ، وقولِه: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ إنما هو النُّصرةُ والمعونةُ دونَ الميراثِ؛ لأنه جلَّ ثناؤُه عقَّب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصارِ، والخبرِ عما لهم دونَ من لم يُهاجرْ بقولِه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا﴾ الآية، ولو كان مُرادًا بالآيات قبل ذلك الدَّلالةُ على حكم ميراثِهم لم يَكُنْ عقيب ذلك إلا الحثُّ على مُضِيِّ الميراثِ على ما أمَر، وفى صحةِ ذلك كذلك الدليلُ الواضحُ على أن لا ناسخَ في هذه الآيات لشيءٍ ولا منسوخَ.

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: والذين آمنوا بالله ورسولِه من بعدِ تِبياني ما بيَّنْتُ من وَلايةِ المهاجرين والأنصار بعضهم بعضًا، وانقطاعِ وَلايتِهم ممن آمَن ولم يُهاجِرْ حتى يُهاجر، ﴿وَهَاجَرُوا﴾ دارَ الكفرِ إلى دارِ الإسلامِ، ﴿وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ﴾ أيُّها المؤمنون، ﴿فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾ في الوَلايةِ، يَجبُ عليكم لهم من الحقِّ والنُّصرةِ في الدينِ والموارثةِ مثلُ الذي يجبُ لكم عليهم، ولبعضكم على بعضٍ.


(١) في م: "طعم".
(٢) النَّجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط. اللسان (ن ج و).