للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنشائِه، ثم يُعِيدُه كهيئته قبل أن يُفنِيَه، فإنهم لا يَقْدِرون على دعوى ذلك لها، وفى ذلك الحُجَّةُ القاطِعةُ، والدلالة الواضحة على أنهم في دعواهم أنها أرباب، وهى للهِ في العبادة شركاء كاذبون مُفْتَرون، فَقُلْ لهم حينئذٍ يا محمد: ﴿اللَّهُ يَبْدَؤا الخَلْقَ﴾، فيُنْشِئُه مِن غير شيءٍ، ويُحْدِثُه مِن غيرِ أصلٍ، ثم يُفْنِيه إِذا شَاءَ، ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ إذا أرادَ كهيئته قبل الفناءِ، ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾. يقولُ: فَأَىُّ وجهٍ عن قصدِ السبيل وطريق الرُّشدِ تُصْرَفون وتُقلبون؟

كما حدَّثنا محمد بن عبد الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الحسن: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾. قال: أَنَّى تُصْرَفون (١)؟

وقد بَيَّنَّا اختلاف المختلفين في تأويلِ قولِه: ﴿أَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾، والصوابَ مِن القولِ في ذلك عندَنا بشواهدِه في سورةِ "الأنعامِ" (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)﴾.

يقول تعالى ذكرُه لنبيِّه محمد : ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين: ﴿هَلْ مِن شُرَكَائِكُم﴾ الذين تَدْعون مِن دونِ اللهِ، وذلك آلهتهم وأوثانهم، ﴿مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾، يقول: من يُرْشِدُ ضالًّا مِن ضلالِته إلى قصدِ السبيلِ، ويُسَدِّدُ حائرًا (٣) عن الهُدَى إلى واضحِ الطريقِ المستقيم؟ فإنهم لا يَقْدِرون أن يَدَّعوا أن


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩٥٢ من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/ ٢٩٦ عن معمر به.
(٢) تقدم في ٩/ ٤٢٣، ٤٢٤، ولم يبين المصنف في هذا الموضع اختلاف المختلفين والصواب من القولُ، ولكنه بينه في ٨/ ٥٨٤.
(٣) في م: "جائزًا".